عقدت ورشة عمل بعنوان “قانون الصكوك بين الجدوى الاقتصادية والامن القومى امس الثلاثاء بمقر مؤسسة عالم واحد وذلك ضمن إطار أنشطة منتدى رفاعة الطهطاوي – بيت تفكير مصرى مستقل – تابع لمؤسسة عالم واحد للتنمية .
واوصت ورشة العمل بضرورة وضع الضوابط الملزمة لمن يحصل على الصكوك بالكشف عن هويتهم وتحديد الإطار الإداري والقانوني والشكل العام الذي سيعمل من خلاله أصحاب هذه الصكوك لتفادي تكرار تجربة شركات توظيف الأموال والخصخصة,وكذلك توضيح تشكيل الهيئة الشرعية المركزية لإصدارات الصكوك وعدم إستخدام الألفاظ والكلمات المطاطة مثل (يكون أغلبهم من المصريين..) حيث تفتح مثل هذه الصياغات الكثير من التأويلات وبما قد يعود بالضرر على الصالح المصري العام.
بالاضافة الى ضرورة عودة الأمن في الشارع المصري لتحقيق الإستقرار لجذب مزيد من الإستثمارات فبدون الأمن لن يقبل المستثمرون على الإستثمار في مصر.
وكذلك عمل مزيد من الدراسات والأبحاث حول تطبيق الصكوك في مصر وهل ستكون فكرة مجدية أم أنها بدعة لن تضيف الجديد بل ربما تزيد من الأعباء الإقتصادية للدولة.
كما اوصت ورشة العمل على تغليظ العقوبات الجنائية فيما يتعلق بحالة العجز عن أداء الإلتزامات الخاصة بأصحاب الصكوك أو في حال تهربهم منها , وتحقيق الإستقرار السياسي عن طريق عرض القانون لحوار المجتمعي حتى لا يتم إصداره بالمخالفة لأحكام الدستور , بالاضافة الى ترشيد الإنفاق الحكومي بما قد يوفر قدراً من الإنفاق العام والذي من شأنه الإسهام في حل المشكلة الإقتصادية الحالية.
تحدث في ورشة العمل كل من، الدكتور حمدي عبد العظيم “الخبير الاقتصادي والرئيس السابق لأكاديمية السادات”, الدكتور صلاح جودة “الخبير الاقتصادي, ورئيس مركز الدراسات الاقتصادية”, الأستاذ أيمن هيبة “عضو مجلس الشورى والأمين العام المساعد لحزب غد الثورة”, اللواء محمود متولي “رئيس كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا, الخبير الأمني والإستراتيجي”, أدار ورشة العمل الأستاذ أحمد سرساوي “مساعد رئيس تحرير أخبار اليوم”.
دارت ورشة العمل حول قانون الصكوك المالية الذي أقره مجلس الشورى مؤخراً حيث تردد بشأن هذا المشروع أنه أداة تمويلية جديدة لتوفير مصدر جديد لإنعاش الإقتصاد المصري, وعلى هذا النحو بدأ الأستاذ أحمد السرساوي ورشة العمل بكلمة إفتتاحية رحب فيها بمؤسسة عالم واحد وأنها كعهدها دائما تثير القضايا الهامة والتي تشغل بال الرأى العام, كما رحب أيضاً بضيوف المنتدى وكذلك متحدثي ورشة العمل. وحول موضوع ورشة العمل وصفه بأنه موضوع الساعة ليس فقط على الجانب الإقتصادي و لكن على الجانب الأمني أيضاً, فعلى الرغم من إقرار مجلس الشورى لقانون الصكوك وأنه أصبح قيد التنفيذ وفي إنتظار موافقة مؤسسة الرئاسة عليه، إلا أن ذلك لا يمنع أن نلقي الضوء على الجوانب المختلفة للقانون خاصة الجانب التطبيقي منه خاصة وأن المشهد في غاية الغموض حيث ينقسم الخبراء والمحللون في هذا الشان إلى معسكرين؛ المعسكر الأول يرى أن قانون الصكوك والفكرة نفسها فيها الخير الكبير وهي وسيلة تمويل لضخ الأموال التي تعجز الموازنة العامة عن توفيرها, أما المعسكر الثاني فيرى في فكرة الصكوك الشر الكبير الذي من شأنه أن يعيد نظام الخصخصة وسيكون له تأثير أيضاً على الأمن القومي المصري.
ومن هذا المنطلق ووفقاً للإنقسامات التي أصبحت سمة أساسية لكثير من الأحداث سواء على الساحة السياسية أو التشريعية, فإن مثل هذا القانون سيزيد من حالة الإستقطاب والتجاذبات بغض النظر عما إذا كنا متفقين أو معارضين لهذه الفكرة ولكن في النهاية لابد أن نضع جميعاً مصلحة مصر في المقدمة وفي هذا ألمح سرساوي أننا على شفا نفاذ الإحتياطي النقدي, وكذلك عرض الموازنة العامة لهذا العام مما يعنى أننا مقبلون على وضع إقتصادي سيء بدرجة كبيرة وعلينا أن نضع
الحلول للخروج من هذا الوضع, ومن ناحية أخرى طرح سرساوي نموذج لتجربة ماليزيا حيث تعد هي النموذج الأكثر نجاحاً في تطبيق فكرة الصكوك الإسلامية, وحققت في هذا الإطار نجاحًا مبهرًا لدرجة أنها تحولت دولة من دول العالم الأول بسبب تطبيق نظام الصكوك وأثار في ذلك أيضاً أنه علينا أن نعلم ان ماليزيا كادت أن تدخل في حرب أهلية في نهاية السبيعينيات بسبب الإختلافات العرقية والإثنية التي كانت موجودة بها حتى تولاها مهاتير محمد آنذاك, بينما كانت مصر في نفس هذه الفترة محققة أكبر إنتصار عسكري لها في أكتوبر 1973 وكان لها سيادة دولية وإقليمية, ولكن من يرى الدولتين الآن يعرف الفرق الكبير في التطور والنهضة وتحقيق النجاح فهذه من المفارقات التي لا يمكن أن نغفلها أو نتجاوزها. وفي نهاية كلمة السرساوي أكد أن فكرة الصكوك حققت نجاحًا كبيرًا في كثير من الدول التي طبقت فيها ولكنها ليست بالضرورة ستكون ناجحة عند تطبيقها في مصر خاصة مع إختلاف البيئة التشريعية والسياسية والإقتصادية التى تختلف في مصر عن أي دولة أخرى خاصة وأن الفكرة نفسها تطرح العديد من التخاوفات التي سيتم مناقشتها مع متحدثي ورشة العمل, وإنتقلت الكلمة للواء محمود متولي.
وعن فكرة الأمن القومي بدأ اللواء محمود متولي كلمته ذاكراً أن ثورة 25 يناير 2011 ثورة عظيمة من حيث تفجرها وما أنجزته إلى الآن حيث أنها حققت أكبر مكسب ربما لم يتطرق له الكثير وهو تخلص الشعب من الخوف ، فقد أصبح يجاهر برأيه وأن ذلك كان أحد المتطلبات الأساسية للثورة, اما المكسب الثانى هو إثبات بمالا يدع مجالاً للشك للحكام القادمين أن الشعب لن يسكت على ظلم أو فساد أو سوء استغلال السلطة ومن ثم سيعمل الحكام على إقامة الحكم الرشيد. معرفاً في ذلك الأمن القومي بأنه (الإجراءات التى تقوم بها الدولة لحمايتها من التهديدات والتحديات الداخلية والخارجية فى جميع المجالات) وفي السياق ذاته ذكر أنه من الطبيعي أن يتأثر الأمن القومى المصرى سلبياً والاقتصاد المصرى يمر بأزمة تحتاج إلى حسن إدارتها والخروج منها فى أسرع وقت ممكن، وهذه الأزمة نابعة من الانفلات العام سواء كان ( أمنى وإعلامى واقتصادى وسياسى واجتماعى وثقافى ), وأن جزءا من هذا الإنفلات كان مبررا حيث كان ينصب على مطالب مشروعة بالحصول على الحقوق العادلة, بينما كان هناك جزءاً أخر غير مبرر وأضراره جسيمة ويتمثل هذا الجزء فى فئات كثيرة على رأسها أصحاب المصالح والذين يرون في إختفاء الشرطة وضعف الإنتاج القومي وتعطيل عجلته، مصلحة لهم، وفي حديثه وصف متولي هذا بأنه عبث بالأمن القومي المصري. أوضح متولي ان هناك معادلة ثلاثية لتحقيق الأمن القومي المصري هذه المعادلة تتمثل في ضرورة توافر (الإحتياجات الأساسية للأفراد, و امتلاكهم لحرياتهم الكاملة, تحقيق الاستقرار), ففقدان عنصر من عناصر هذه المعادلة يخل بالأمن
القومي المصري, مع الأخذ في الإعتبار أن ضعف الأمن القومي لدى دولة معينة يعني قوة الأمن القومي لدول أخرى وألمح في هذا إلى العدو المترقب لمصر دائما وهي إسرائيل. حيث يتعين علينا لعمل التوازن اللازم وتحقيق كامل الأمن القومي الداخلي والخارجي وضرورة قياس حجم التهيديات التي تتعرض لها الدولة في الداخل والخارج, ومن أهم العوامل التي تؤثر على الأمن القومي هو الإستقرار الإقتصادي أو فيما يسمى ( تحقيق الرفاهة والإستقرار), ومن هنا تأتي العلاقة بين إقرار قانون الصكوك وإحتمالية تحقيق إما الاستقرار أو تهديد الأمن القومي, فكلاهما احتمالان يتوقفا على تطبيق القانون نفسه, حيث قد يتيح القانون إما مزيدا من الأموال، وبالتالي تحقيق الرخاء الإقتصادي, أو على الجانب الأخر قد يسمح القانون مثلاً بتمللك جنسيات لا نعرف أصولها لسندات شركات أو أستثمارات مصرية.
ثم أكد على ضرورة الأخذ في الاعتبار تحذير الخبراء الاقتصاديين من استمرار العبث السياسى بالشارع المصرى، وإعلاء مصلحة اقتصاد مصر وتغليب الاقتصاد على السياسة وليس العكس, لأن استمرار الحال على ما هو عليه تدمير للاقتصاد ونزييف لموارده التى تتناقص يوماً بعد الآخر مما سيصل بها إلى عدم كفايتها لحاجات المواطنين ويؤكد ذلك القرارات الأخيرة التى اتخذتها الحكومة بزيادة الضرائب والأسعار لبعض السلع التى قيل أنها (50) سلعة وتأجيل العمل بها, ونحن لدينا مؤشرات خطيرة من معدلات البطالة وعجز الموازنة العامة، مشيرا إلى أن هذه المؤشرات تعد قنبلة موقوتة لابد من إحتوائها قبل الانفجار، وفي نهاية الكلمة نوه متولي أن طرح فكرة الصكوك في هذا التوقيت لجذب مزيد من الإستثمارات يحتاج لضوابط كثيرة لضبط العملية بأكملها.
عقب السرساوي على كلمة اللواء محمود متولي بان هناك علاقة اشتباك كبيرة بين الأمن القومي المصري وبين الإقتصاد وسياساته ولابد من تحقيق التوازن الإقتصادي والسياسي من أجل استقرار الأمن القومي ويكون ذلك من خلال ضوابط محددة.
انتقلت الكلمة الدكتور حمدي عبد العظيم وفيها تناول الحديث من ناحية إقتصادية حيث وصف فكرة الصكوك الإسلامية بأنها فكرة موجودة ومطبقة لدى العديد دول العالم المتقدم حيث وجدت هذه الدول في تطبيق فكرة الصكوك انها تخدم مصالحها الإقتصادية وتزيد من حجم الإستثمارات فيها على الرغم من أن كثير منها غير إسلامية ولكنها هدفت بإستخدام نظام الصكوك أن تجذب بذلك الإستثمارات التي تتنوع بين المضاربة أو المرابحة حيث يرغب أصحابها في التخلص من فكرة أنها غير شرعية فيستخدمون نظام الصكوك فقط لأنه يحقق لهم المصالح الإقتصادية التي من شانها أن تسهم في تقدم تجارتهم ومشروعاتهم الإستثمارية المختلفة.
ثم إشار في كلمته إلى تجربة ماليزيا في تطبيق الصكوك الاسلامية مؤكدا على أن ماليزيا تمتلك 63% من إجمالي الصكوك في دول العالم وأن باقي نسبة الصكوك موزعة بالتباين بين دول العالم وكثير من هذه الدول غير إسلامية.
ومن وجهة نظره يرى أن الصكوك تعني وجود مستثسمرين يشاركون في تمويل بعض المشروعات وأن هؤلاء المستثمرون لا يتدخلون في سير العملية الإدارية ولكن سياسات المشروع نفسه مما لا يقلقنا بشأن وجود جنسيات مختلفة تمتلك مثل هذه الصكوك للإستثمار في مصر, فما يجعل هذه الفكرة ناحجة في كثير من الدول إسباغ صبغة الشريعة الإسلامية عليها لأن فكرتها تقوم على الأرباح المتغيرة، ومن المفترض أنها لن تتعامل بالفوائد التي يطلق عليها” الرباوية” مما قد يجعل الكثيرون يقبلون على مثل هذه الأشكال من الإستثمارات.
ومن زاوية أخرى عاب عبد العظيم على القانون أنه لم يفرق بين الملكية العامة والخاصة، ذلك لأن الملكية الخاصة المملوكة للدولة هي بالأساس ملكية عامة مثل البنك المركزي المصري على سبيل المثال، فمثل هذه الثغرات والسقطات قد تؤدي إلى البيع أو الرهن أو الخصخصة لهذه الملكيات, وفي السياق ذاته تحدث أيضاً عن قناة السويس وملكيتها. وألمح أيضاً لضرورة إطلاع الشعب على كافة البيانات الخاصة بملكية هذه الصكوك ويكون ذلك من خلال تقارير متابعة دورية وليس في نهاية السنة المالية, كذلك تُعلن مصادر الإنفاق والإستثمار لهذه الصكوك مشيراً في ذلك لبعض التصريحات التي خرجت من وزارة المالية تقول “إنهم سيستخدمون الصكوك لإستيراد 9 مليون طن قمح , ورصد جزء منها لتوفير صوامع لتخزين القمح”. كما تطرق أيضاً عبد العظيم لفكرة عرض القانون على هيئة كبار علماء الأزهر موضحاً أنه كان من الأفضل أن يتم عرضه على هيئة علماء الأزهر قبل تمريره مباشرة لرئيس الجمهورية, لأن ذلك قد يتسبب في جدل قانوني مثله مثل غيره من القوانين التي تأخذ مسارها الصحيح وحدث بشأنها جدل واسع, مع الأخذ في الإعتبار بأن رأي هذه الهيئة هو رأي إستشاري ولكنه سيضفي مزيدا من الشرعية على القانون, وفي نهاية كلمته أكد عبد العظيم على أن الضوبط المحكمة هي الفيصل في تطبيق القانون وألا يكون بذلك زريعة لإدخال جنسيات لا نعلم عنها شيئا أو اتجاه جديد لخصخصة مجموعة من الشركات حتى لا نكرر بذلك أخطاء الخصخصة التى عانى منها الشعب في السنوات الماضية.
انتقلت الكلمة للدكتور صلاح جودة والذي بدأ بإستعراض الخلفية التي ظهر على إثرها قانون الصكوك ذاكراً أن الحديث عن فكرة الصكوك جاءت من بداية الحملة الإنتخابية لحزب الحرية والعدالة التي بدأت في 2011 وحتى تاريخ فوز الدكتور محمد مرسي في 30 يونيو 2012 حيث كان هناك تركيز في الحديث أن بعد فوز الرئيس ممد مرسي ستقوم جميع الدول العربية بجلب إستثماراتها لمصر وتحدثوا عن وجود 200 مليار دولار وهي حجم المكاسب المنتظرة من استخدام الصكوك واصفاً ذلك بأنه نوع من التلاعب بعقول الشعب المصري لأن هذه الأرقام لم تتحقق على مستوى عالمي فكيف ستتحقق نتيجة استخدام الصكوك في مصر, وأكمل جودة سرده ونقده لجوانب القانون المختلفة مقارنا ً كذلك بين وضع مصر وماليزيا وتجربة كل منهم لتحقيق التقدم والإستقرار الإقتصادي.
وعن تجربة مالزيا أوضح جودة أن مهاتير محمد تولى حكم ماليزيا في بداية الثمانينيات وهو نفس الوقت تقريبا الذي تولى فيه الرئيس المخلوع “مبارك” حكم مصر بل كان الفارق بينهما تقريباً ثلاثة أشهر, فماليزيا كانت وقتها عبارة عن جزر متفرقة وبينها خلافات وكان إقتصادها في تراجع شديد, واستطاع مهاتير محمد في الفترة من 1981 إلى 1994 أن يحقق نهضة ماليزيا الكبرى, وعلى الجانب الأخر نجد أن مصر كان بها الخير الكثير وكانت تحتل مراكز أولى في العديد من الصناعات والتبادل التجاري ولكن أوضاعها الإقتصادية تدهورت شيئاً فشيئاً حتى وصلنا لما نحن عليه الآن.
وعن المراحل التي مر بها قانون الصكوك أوضح جودة أنه مر بثلاث مراحل أولها المشروع الذي قدمه “أشرف الشرقاوي” رئيس هيئة الرقابة المالية وهي الجهة المنوط بها تنفيذ القانون فبعد أن قدموا مشروعاً لقانون الصكوك لم يسمع أحد عنه بعد ذلك, ثم صدر مشروع أخر ولكن لم يسمع أحد عنه أيضاً, حتى ظهر مشروع القانون الخاص بالدكتور محمد عبد المجيد الفقي رئيس اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس الشورى وشكر الجميع في هذا القانون حتى تم إقراره، واصفًا إياه بأنه مثل “السكين” قد نستخدمه في تقطيع “كعكة” على سبيل المثال وقد نستخدمه في قتل أنفسنا أو بعضنا البعض، فهو سلاح ذو حدين.
كما طرح جودة أيضاً أهمية الأخذ في الاعتبار تجاربنا السابقة في شركات توظيف الأموال وكذلك في تطبيق الخصخصة، فلم تكن العرقلة في الفكرة نفسها ولكن التعقيد جاء في ثنايا تطبيق هذه القوانين, مضيفاً أن الإنحراف يكون في تطبيق القانون وأنه ليس مع أو ضد فكرة الصكوك الإسلامية ولكن له تحفظات وتخوفات واجبة أن نلتفت لها حتى لا نكرر نفس الأخطاء, وهنا طرح سؤالاً، هل سيعيد قانون الصكوك نفس تجربة شركات توظيف الأموال و شركات الخصخصة أم أنه نظام جديد سيجلب لنا مزيداً من الإستثمارات؟, كذلك تسائل إذا كان لدينا الوقت الكافي لعمل الدراسات والأبحاث وطرح السيناريوهات المختلفة فلماذا العجلة بشان إصدار القانون؟, هل لأن الإستثمارات تقف تتنظر إصدار هذا القانون لتندفع و ينتعش إقتصادنا المصري أم أن هناك أصحاب مصالح من وراء الإستعجال في اقرار؟, ولماذا لم يتم عرض القانون على هيئة كبار علماء الأزهر؟.
وفي السياق ذاته أوضح جودة بأنه لا يوجد ما يسمى بالصكوك الإسلامية لأنها عبارة عن ورقة على حد قوله تقع بين السهم والسند, هذه الورقة تحدد من له حقوق ومن عليه التزامات وتحدد نسبة من الأرباح عند النجاح أو المشاركة كذلك في الخسارة, وألمح هنا أيضاً أن هذه الفكرة ليست جديدة وأنه منذ جاء البارون وقرر إنشاء مدينة هيليوبلس، استعان بفكرة الصكوك.
وبشأن الضوابط الخاصة بقانون الصكوك أفاد جودة بأنه هناك ضرورة لوجود قواعد للعبة على حد قوله, بمعنى أن القانون الجنائي المنظم للصكوك ليس واضحا بشكل كافي, أى أنه لا توجد عقوبات رادعة وحتى الغرامات تكون بحد أدنى 50 ألف جنيه وبحد أقصى مليون جنية أو الحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات, وعن هذه المادة وصفها بأنها مادة إستثنائية أي أنه في حالة هلاك الشركة أو تعثر أصحابها عن رد عوائد الصكوك من السهل جداً أن يتحمل الغرامة وكلمة “أو” الموجودة في القانون والخاصة بالحبس وصفها كأن من وضعها يعلم انه في نيته الهروب من إلتزاماته بالدرجة الأولى لأنه عند عقوبة الحبس إن تم القبض على المقصود فسيعود بعد ذلك ويطالب الحكومة بالتصالح, وفقاً للقانون مما سيأخذ وقتاً كبيراً , كذلك من أهم التخوفات التي أشار لها جودة ما يسمى “بالهيئة الشرعية المركزية لإصدارات الصكوك” والتى لم تحدد جنسيات أعضاء هذه اللجنة حيث تنص المادة” على أن يكون أعضاء هذه اللجنة أغلبهم من المصريين…” متعجباً من طبيعة هذه المادة, وأنهى جودة كلمته بعرض هذه التخوفات وأنه كان من الضرورى وضع ضوابط أكثر فعالية مما جاء به القانون.
ثم عقب الأستاذ أحمد سرساوي بأن ذلك كان عرضاً تاريخيا لما فيه من المقاربات وإستعراض تجارب الدول الأخرى ومزايا استخدام نظام الصكوك, وكذلك عيوبه مشيراً لضرورة دراسة التخوفات التي طرحها جودة في مناقشته والتى ألمح بها للوجه الأخر للقانون, وكيف يمكن تفادي فشل تجارب شركات توظيف الأموال والخصخصة السابق ذكرها. وبشأن ما طرحه جودة عقب أيضاً الدكتور حمدي عبد العظيم بأن الصكوك بها جانب إيجابي لابد من دراسته ودار بينهما جدلاً بشان ما إذا كان القانون له منافع أم عليه ملاحظات، وقد أعاد عبد العظيم سرد مزايا إمكانية تطبيق الصكوك وأنها قد تكون سبباً في إنفراجة إقتصادية وأن القانون فقط يحتاج لمزيد من الضوابط, وعلى العكس أصر جودة على تخوفاته وتحفظاته على القانون خاصة فيما يتصل بالإستعجال بإقراره, ثم إنتقلت الكلمة للأستاذ أيمن هيبة .
أما في كلمة الأستاذ الأستاذ أيمن هيبة إتخذت المناقشة منحى جديداً حيث الحديث من داخل المطبخ التشريعي وكيف مر القانون وتم إقراره خلال جلسات مجلس الشورى. وفي بداية كلمته أوضح أن القانون يختلف بشكل كبير عن الصكوك باعتبارها أداة تمويلية معترف بها ولا يختلف بشأنها أحد وهي مستخدمة في كثير من الدول ولها قوانينها وتشريعاتها التي تنظمها, وما نتحدث بصدده هو القانون الأخير الذي صدر من مجلس الشورى وأنه كان له ملاحظة أيضا حول الإستعجال لإقرار القانون حيث أنه ليس من مصلحة أحد أن تصدر القوانين على عجلة من أمرها مثله كمثل مشروع قانون الجمعيات الأهلية متعجباً التعجل في إقراره رغم أنه يتعلق بقطاع كبير, وأن مثل هذا القانون يحتاج لجلسات مطولة من الحوار بين المجلس ومسؤلي الجمعيات والذين هم الفئة المستهدفة الأساسية من القانون, كذلك النشطاء وغيرهم من ذوي الشأن وفي هذا مثلاً بسيط لعدم تبرير العجلة في إقرار عدد من القوانين, وعلى هذا النحو ألمح هيبة أن مجلس الشورى لا غبار عليه فيما يصدره من تشريعات فما يصدره من تشريعات إتفقنا أو اختلفنا عليها هي تكون أفضل من يقرها فرد واحد قاصدا بذلك رئيس
الدولة, مكملاً أن مجلس الشورى هو مجلس منتخب وله شرعيته, وكان ذلك رداً على بعض التعقيبات من الحضور والتي أشارت إلى أنه من الأفضل أن ينتظر مجلس الشورى إنتخاب مجلس شعب جديد ليكون هو المنوط بشكل رئيسي بالتشريع. وفي الوقت ذاته أبدى تحفظه على الإستعجال في إقرار القانون لأن هذا قد يوقعنا في جدل كما حدث في قانون مباشرة الحقوق السياسية والمدنية والخلاف القانوني الدائر حوله في الآونة الأخيرة.
كذلك تناول هيبة سبليات القانون من وجهة نظره بشأن عرضه على هيئة كبار علماء الأزهر الشريف مشيراً إلى أن مصر دولة مدنية ولا يجب تدخل الجهات الدينية في إقرار القوانين أو الموافقة عليها, مع اعتزازه بهيئة كبار علماء الأزهر الشريف, مؤكدا أنه لم يسبق أن عرض مجلس تشريعي قوانينه على الهيئات الدينية أو الفقهية حتى لا نكرس بذلك لحدث يكون الأول من نوعه, ومن ناحية أخرى حول التحفظات بشأن هذا القانون فكرة الفصل بين الملكية العامة مثل الأهرامات والنيل, والملكية الخاصة مثل الشركات والمشروعات فكلاهما ملكية تخضع للدولة, فكان لابد من إستصدار قانون موازٍ يعرف الملكية العامة والملكية الخاصة, كذلك فيما يخص الإعفاءات الضريبية و تخفيف الجزاءات كانت تحتاج مزيدا من الضوابط والتعديل, مشيراً في ذلك أنه في ملكية الشركات العامة في كثير من الدول لا يمتلك أي شخص أو هيئة إعتبارية أكثر من 5% من إجمالي أسهم الشركة وذلك حتى لا يتم الجور على الملكية العامة للأشخاص.
وعن ما أبداه من تحفظات بشأن هذا القانون أوضح أنه كان هناك الكثير داخل مجلس الشورى لديهم الكثير من التحفظات ولكن العبرة في النهاية بالتصويت على القانون وهنا نوه هيبة أن حزب الحرية والعدالة له الأغلبية من الكتلة التصويتية داخل مجلس الشورى وبالتالي من الطبيعي رغم كل التحفظات ان يتم إقرار القانون بالإغلبية التصويتية, وفي السياق ذاته أضاف أن أعضاء حزب الحرية والعدالة وإن اختلفوا حول موضوع ما ولكنهم في النهاية يسيروا بمبدأ السمع والطاعة أي ما يريده الحزب يكون هو رأى جميعهم في النهاية, وختماً لكلمته أبدى هيبة أنه علينا النظر في تطبيق القانون نفسه وأن تعي ذلك الإدارة السياسية الحالية.
وعقب الأستاذ محمد منصور باحث قانوني بشأن الاستشمارات، مشيرا إلى أن نسبة الإستثمارات الأجنبية في ماليزيا لا تتجاوز نسبة ال25 % من إجمالي الدخل القومي العام للدولة ومن هنا ليست فكرة الصكوك هي الحل الأمثل للمشكلات الإقتصادية وأنها قد تكون تكريس لفكرة التبعية للخارج أو لجنسيات ومستثمرين لا نعرف عن هويتهم شيئاً فسيكون الإقتصاد قابل للتلاعب به من قبل أفراد هم ليسوا مصريين, مما قد يشكل تهديداً للأمن القومي المصري.
وقد عقب الدكتور حمدي عبد العظيم موضحا أن مسألة التخوف من التبعية تتوقف على قوة إدارة الدولة وحكومتها ولكن لضمان عدم فرض التوقعات والإحتمالات منها ماهو سيء ومنها ماهو جيد فعلينا أن نضع الضوابط الملزمة, مشيراً إلى أن بعض هذه الضوابط موجودة بالفعل في الدستور حيث يسمح الدستور بتأميم الشركات أو مصادرتها, وأن فكرة الصكوك لا يتبعها حق في الإدارة أو التدخل في السياسات الخاصة بالشركة إنما هي فقط إتفاق بين طرفين سواء على المكسب أو الخسارة ولها فائدة متغيرة وهذا أهم ما يميزها.
وعن تعليق أخر من الدكتور شريف نصر طبيب بشري بأن فكرة الصكوك قد تكون فكرة جيدة ولكنها أيضاً قد تكون إيعاذ من الشيطان فتفتح علينا أبواب عدة تزيد من الأعباء المالية على كاهل الإقتصاد المصري, أو تدخل جنسيات متعددة لا نعرف مدى جدواهم وهذا ككا حدث في تملك الأراض في سيناء للأجانب عن طريق ملاك الأرض الأصليين, وتطرق بالحديث لقناة السويس فكيف يدخل في ملكيتها على سبيل المثال جنسيات أخرى أو نضطرفي يوم ما أن نخصخصها.
كذلك تسائل الأستاذ ياسر دهمش باحث برلماني حول جدوى الإعفاءات الضريبية وفقاً لقانون الصكوك الجديد, كذلك تعجب أيضاً من فكرة التعجل في خروج القانون بهذا الشكل الذي يفتقد لكثير من الجوانب والضوابط المطلوبة.
وسأل الأستاذ عمرو مغيث باحث بمؤسسة عالم واحد عن أسباب عدم ضغط الأحزاب أو القوى السياسية الرافضة للقانون داخل مجلس الشورى لتعطيله أو حتى لتقنينيه بشكل أفضل مما هو عليه.
وعن هذه المداخلات عقب الدكتور صلاح جودة بأن هناك عدد من الأحداث التي يصعب قرائتها في ظل المشهد الحالي والأكثر هي القوانين المتعلقة بأمور حيوية والتى من شانها أن تحسن من حال الدولة أن تودى بها لمصير غير معروف معقباً في النهاية أن القوانين لا تكتب بالنوايا الحسنة ولكن توضع وفقاً للمعايير والضوابط القانونية المطلوبة.
وعقب أيضاً الأستاذ أيمن هيبة بأن التشريع داخل مجلس الشورى هو حق له في هذه المرحلة وأن ذلك أفضل من ان يستأثر شخص واحد بسير العملية التشريعية, كما أن القوى السياسية التي كان لها ملاحظات حول القانون سجلت ملاحظاتها ولكن العبرة في النهاية بتصويت الأغلبية داخل المجلس.