كيف تساعد مجالس الأعمال فى جذب الاستثمارات الأجنبية؟

تتخذ وزارة الصناعة والتجارة قرارات باستحداث أو إعادة تشكيل مجالس أعمال مشتركة؛ لتعزيز العلاقات الاستثمارية بين القطاعين الخاص المحلى والأجنبى، وتعظيم عوائد الاستثمار الأجنبى المباشر، وزيادة التجارة البينية مع دول العالم.

ورغم الأدوار الواضحة لمجالس الأعمال على المستوى النظرى والخطط التى تبنيها الحكومة على تلك الأدوار وتوقعاتها لانعكاس الأمر على التجارة والاستثمار الأجنبى، فإنَّ الواقع الفعلى قد يبدو مغايراً، إذ لم تظهر نتائج أعمال المجالس على معدلات الاستثمار الأجنبى التى تشهد تراجعاً كبيراً آخر عامين.

وأظهرت بيانات ميزان المدفوعات الصادرة عن البنك المركزى تسجيل صافى الاستثمار الأجنبى المباشر، خلال العام المالى الماضى، نحو 5.9 مليار دولار، مقابل نحو 7.7 مليار دولار خلال عام 2017- 2018 بتراجع %23.5.

ورغم ارتفاع صافى الاستثمار الأجنبى المباشر بنسبة %71.4، خلال الربع الأول من العام المالى الجارى، ليسجل 2.4 مليار دولار، مقابل 1.4 مليار دولار فى الفترة المقابلة، فإنَّ مستثمرين ومنظمات أعمال ينتقدون أدوار مجالس الأعمال المشتركة فى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وطالب البعض بضرورة وضع آليات حكومية لتقييم أدائها لتحسين نتائجها.

وقال محمد يوسف، المدير التنفيذى لجمعية رجال الأعمال، إنَّ مجالس الأعمال هى آلية تم استحداثها فى سبعينيات القرن الماضى، وكان أول مجلس تم إنشاؤه، مجلس الأعمال المصرى الأمريكى، بطلب من الرئيس محمد أنور السادات؛ لزيادة العلاقات الاقتصادية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.

أضاف «يوسف»: «فى 1985، اتخذت جمعية رجال الأعمال المصريين، مبادرة لإنشاء مجلس الأعمال المصرى الأردنى، مع جمعية رجال الأعمال الأردنيين، ومنذ ذلك الحين، أنشئ العديد من مجالس الأعمال المشتركة، بالتوازى مع اللجان الحكومية المشتركة؛ لرفع توصيات مجتمع الأعمال إلى متخذى القرار».

وأوضح أن الدور الرئيسى لمجالس الأعمال، هو العمل على تنمية العلاقات الاقتصادية البينية بصورة شاملة، إذ إنها تعد دائرة كاملة للاقتصاد، لذلك يجب عند تشكيل مجلس الأعمال، مراعاة أن يكون أعضاؤه من مختلف القطاعات الاقتصادية.

وتابع: «فى أوائل الألفية الحالية، وبسبب تنازع منظمات الأعمال حول تأسيس المجالس، ظهرت عدة مجالس تخدم نفس البلد، لذلك قررت وزارة الصناعة، تولى مهمة تأسيس المجالس، ولكنها أغفلت الجانب التنفيذى للمجلس».

وقال «يوسف»، إنَّ المجالس فقدت أهميتها؛ بسبب عدم وجدود مظلة تعمل من خلالها، وأصبح ذلك هو السبب الرئيسى لعدم تفعيل غالبية مجالس الأعمال.

أضاف أن جمعية رجال الأعمال، يعمل تحت مظلتها نحو 11 مجلس أعمال، بينها 6 مجالس تم تشكيلها من قبل وزارة التجارة والصناعة، و5 مجالس تعمل بشكل تطوعى.

أوضح أن أحد الأخطاء الكبرى التى تقع فيها وزارة التجارة والصناعة، هو اختيار أعضاء مجلس دون مُراعاة ما إذا كان هؤلاء الأعضاء مهتمين بالعمل العام أم لا، لذلك نجد مجالس لم تنعقد مطلقاً منذ تشكيلها.

وتابع: «نجاح رجل الأعمال فى عمله الخاص ليس دليلاً على قدرته فى إنجاح المجلس، لذلك نجد أن جمعيات الصداقة المشتركة أنجح من المجالس النظيرة لها».

وقال إبراهيم العربى، رئيس مجلس الأعمال المصرى اليابانى، إنَّ الدور الأبرز لمجالس الأعمال هو تمهيد الطريق للمستثمرين الأجانب فى مصر بشأن تعظيم استثماراتهم، وتذليل العقبات التى تواجههم، وتعظيم العلاقات التجارية البينية.

وأشار إلى ضرورة عقد اجتماعات المجلس بصورة دورية وعلى فترات متقاربة؛ لبحث المستجدات فى القطاع.
أضاف أن جذب الاستثمارات وفتح الأبواب أمام المستثمرين الأجانب، يعتبران صلب عمل مجالس الأعمال، والهدف من إنشائها.

وقال على عيسى، رئيس مجلس الأعمال المصرى الأردنى، إنَّ اختيار أعضاء للمجلس لديهم القابلية على منح وقتهم للعمل العام، أحد أبرز أسباب نجاح أى مجلس، يليها الاستقبال الحكومى للجانب الأجنبى والذى يؤكد استعداد الدولة لتيسير أعمال المستثمرين الأجانب.

أضاف أن الدور الرئيسى لمجالس الأعمال هو جذب الاستثمارات، ولتحقيق هذا الدور يقع على عاتق وزارة التجارة والصناعة اختيار الأشخاص المناسبين فى المجلس المناسب.

وقال حسن الشافعى، نائب رئيس مجلس الأعمال المصرى الرومانى، إنَّ الدور الرئيسى لمجالس الأعمال هو تنشيط حركة التجارة بين البلدين الأطراف، وجذب الاستثمارات من خلال استعراض الحوافز الاستثمارية التى تطرحها مصر للمستثمرين.

واقترح «الشافعى»، تحديد وسيلة لقياس نشاط كل مجلس، وحجم النمو الذى حققه فى استثمارات البلد المعنى به المجلس، وكذلك حركة التجارة البينية، ويجب فرض عدد من الأهداف لكل مجلس على حدة، ليُكلف بتنفيذها، من خلال وزارة التجارة والصناعة الموكل إليها مهمة تشكيل مجالس الأعمال.

أضاف أن بعض المجالس تكاد تكون غير موجودة على أرض الواقع، لذلك يجب اختيار أعضاء المجلس بعناية، وتبادل الزيارات بين جانبى المجلس، وعرض وجهة النظر المستثمرين المحليين على نظرائهم الأجانب.

وقال إن المستثمر المصرى هو الوحيد القادر على جذب الاستثمارات الأجنبية، لدرايته باحتياجات المستثمرين، كما أنه سيكون ذا مصداقية أكثر من الجهات الحكومية لدى المستثمر الأجنبى، إذ سينقل له الوضع فى مصر بشفافية وموضوعية أكثر من غيره.

وأشار هانى برزى، رئيس مجلس الأعمال المصرى اليونانى، الى أن مجالس الأعمال المشتركة فى الأغلب هى أدوار شرفية فيما عدا مجالس الدول التى تمتلك مصر معها علاقات اقتصادية قوية، مثل مجلس الأعمال المصرى الإماراتى، ومجلس الأعمال المصرى الفرنسى، ومجلس الأعمال المصرى الأمريكى.

وقال «برزى»، إنه يعمل على جذب الاستثمارات اليونانية من خلال اصطحاب مسئولين حكوميين بالهيئات الاقتصادية والاستثمارية عند زيارات العمل التى ينظمها إلى اليونان، ليتولوا مهمة الإعلان عن الحوافز الاستثمارية التى تمنحها الحكومة للمستثمرين، وتذليل العقبات التى تقابلهم فى مصر.

وقال محمد بركة، عضو مجلس الأعمال المصرى الإندونيسى، إن بعض المجالس «شبه ميتة»؛ بسبب عدم اكتراث أعضائها بتنمية العلاقات الاقتصادية البينية، وعدم درايتهم بطبيعة السوق الذى أوكل إليهم.

وأضاف «بركة»، أن هناك أسماء متكررة فى العديد من المجالس، وهو ما يشير إلى أن عضوية مجلس الأعمال فى أحيان كثيرة تأتى من باب المجاملات وليس الكفاءات.

وتابع: «لا يستطيع نفس الشخص تولى مسئولية جذب الاستثمارات من عدة دول مختلفة، فهى مهمة تحتاج إلى دراية بكل سوق على حدة واحتياجات كل مستثمر، والقطاع الذى يهمه».

وقال «بركة»، «يجب اختيار رؤساء وأعضاء مجالس الأعمال، من رجال الأعمال الذين يملكون علاقات اقتصادية مع الدول الموكلة إليهم، وليس اختياراً عشوائياً لأشخاص لا تعرف طبيعة السوق».

وقال مصطفى إبراهيم، رئيس مجلس الأعمال المصرى الأسترالى، إنَّ أعضاء مجالس الأعمال المختلفة محظور عليهم قانون التجارة فى الدول الموكل لها عضوية مجالسها، ولكن مُلقى على عاتقها دور حل مشكلات مستثمرين ذلك البلد مع الحكومة، والتأكد من مصداقية المستثمرين الجدد الساعين للاستثمار فى مصر.

وتابع «إبراهيم»: «دورنا أن نكون حلقة وصل بين المستثمر الأجنبى والحكومة وكذلك المستثمرين المحليين».

أضاف «إبراهيم»، أن مستثمرين أجانب ينقصهم معلومات دقيقة وكافية عن مصر، خصوصاً المستثمر الأسترالى، الذى يعتقد أن منطقة الخليج هى نهاية العالم ولا دول بعدها.

أوضح أن أكبر عامل جذب للمستثمر الأسترالى هو تيسير الإجراءات، إذ إنهم لا يفضلون الإجراءات التى تستنزف الوقت، وهى مسألة غير متوفرة فى مصر بشكل كبير.

وقال خالد الميقاتى، رئيس مجلس الأعمال المصرى السنغالى، إن المجالس تلعب دوراً وسيطاً بين مستثمرى الدولة المشتركة فى المجلس وبين الجهات الحكومية لنقل وجهة نظرهم، واحتياجاتهم بشأن تحقيق نمو فى الاستثمار، أو زيادة التبادل التجارى.

أضاف أن مجالس الأعمال المشتركة تحدد الملفات التى ستعمل عليها بعد لقاءات بين الطرفين المحلى والأجنبى، وفى الخطوة التالية، تشمل خطة العمل كل ممثلى القطاعات المختارة.

أوضح أن مجالس الأعمال بين مصر والدول الأفريقية، لا تستهدف جذب الاستثمار بقدر ما تعمل على تنمية الصادرات، بمختلف مفاهيمها وأنواعها، مثل الصادرات الخدمية فى القطاعات الطبية، وقطاع الاتصالات وكذلك الاستشارات الهندسية.

أشار إلى أن العلاقات مع أفريقيا، مبنية أيضاً على تصدير الاستثمارات، مثل الصناعات التجميعية، بما يخلق زيادة الصادرات المصرية، وخلق تنمية وفرص عمل داخل الدول المستهدفة.

وقال «ميقاتى»: «يجب خلق بنية تحتية بين الدول الأفريقية وبعضها، لتنمية التجارة، ونحلم بخط دولى برى يربط بين القاهرة وكيب تاون فى جنوب أفريقيا، وفى حال تنفيذه سنحقق طفرة فى العلاقات البينية على كل المستويات، الثقافية والتجارية والسياسية والاجتماعية».

أضاف أن مجالس الأعمال المختلفة لا تعمل وفق «إسطمبة» ثابتة، ولكن تختلف باختلاف طبيعة كل دولة واحتياجاتها من العالم الخارجى.

وقال عمرو أبوفريخة، رئيس مجلس الأعمال المصرى «البرازيلى» و»الكينى»، إنَّ مجلس الأعمال بمثابة منصة تجمع المستوردين والمصدرين والمستثمرين من الجانبين اللذين يمثلاهما، وأحياناً ممثلين عن الحكومة من الجانبين لتحسين مناخ الأعمال بين البلدين.

أضاف أن من ضمن مهام مجالس الأعمال أيضاً، ضبط الميزان التجارى البينى، من خلال منح مزايا إذا اقتضى الأمر لضبط الميزان التجارى، وتستهدف تلك المنصة أيضاً، تحسين العلاقات السياسية البينية، وتسمى القوى الناعمة، وغالباً لا تظهر إلا عند الزيارات الرئاسية لدول أجنبية أو عند استقبال أحد الرؤساء.

وتابع «أبوفريخة»: «مشكلتنا أن مجالس الأعمال فى مصر تعامل معاملة (دبوس البدلة)، ولا تظهر فى الصورة إلا عند الزيارات الرئاسية المتبادلة، أما إذا كنا نرغب فى نتائج حقيقية وملموسة على أرض الواقع سواء زيادة صادراتنا أم جذب استثمارات جديدة، فيجب أن نكتفى بعشرة مجالس فقط، بينها 5 من أفريقيا مُختارة بعناية، على أن تتم متابعتها دورياً».

وأشار إلى ضرورة وضع خطة لكل مجلس، تتم متابعتها من قبل الوزارة المعنية بدقة، خصوصاً فيما يخص زيادة الصادرات مع الدولة المستهدفة حتى وإن كان من خلال استقبال زيادة واردات منها على حساب دولة أخرى لا نملك فرصة تصديرية إليها، لذلك على الجهة التى تختار أعضاء مجالس الأعمال التركيز على الشركات التى تعمل مع الدولة المستهدفة بعناية.

وقال إن مجالس الأعمال لا يمكنها أن تعمل بمفردها، بل يجب أن تعمل بالتنسيق مع المجالس التصديرية ومكاتب التمثيل التجارى.

وقال أحمد الوكيل، رئيس مجلس الأعمال المصرى الروسى السابق، إنَّ مجالس الأعمال لن تنجح فى العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، قبل وجود مناخ أعمال جاذب للاستثمار، إذ إنها لن تنجح بمفردها فى تحريك ملف يحتاج إلى تكاتف دولة بأكملها، لذلك يجب دراسة أسباب عدم قدرتنا على جذب الاستثمار طيلة السنوات السابقة.

وأضاف: «إذ كانت الدولة ترغب فى استغلال مجالس الأعمال كأداة فعالة لجذب الاستثمار، فيجب عليها تهيئة مناخ الأعمال لذلك، من خلال محاور أساسية، منها توفير الأراضى شاملة تراخيصها كاملة حتى يتجه المستثمر للعمل فوراً، دون الدخول فى دوامة من الإجراءات لا تنتهى وتعطله لفترات تصل إلى أعوام، إلى جانب توقف الدولة عن منافسة القطاع الخاص».