47 تريليون دولار ديون الأسر عالميا.. وانتشار الألم الاقتصادي مع ارتفاع البطالة
مثل ملايين البشر حول العالم، اقترضت تشانغ تشونزي أموالا كانت تعتقد أنها ستستطيع سدادها، قبل أن يغير انتشار جائحة كورونا ، كل شيء.
الآن.. فقدت تشونزي، صاحبة الـ 23 عاما، وظيفتها في شركة تصدير للملابس في هانغتشو، وهي واحدة من أكثر المدن ازدهارا في الصين.
كما أنها تتخلف عن سداد 12000 يوان (أي 1700 دولار) من ديون بطاقتها الائتمانية ومنصة إقراض عبر الإنترنت يديرها عملاق الخدمات المالية الصيني “آنت فاينانشال”، ولا توجد طريقة لسداد هذه الديون بالكامل.
وتتجسد قصة هذه الفتاة الشابة بطرق مماثلة في جميع أنحاء الصين، حيث أودى “كوفيد-19 ” بحياة الناس، وأضر الاقتصاد لأكثر من ثلاثة أشهر.
وبينما يشق الفيروس، طريقه عبر بقية آسيا وأوروبا والأمريكتين، ويجبر الدول على الإغلاق ويتسبب في رفع معدلات البطالة ويثقل كاهل أصحاب الأعمال الصغيرة، يقول المحللون إنها مسألة وقت فقط قبل أن تبدأ حالات التخلف عن السداد في الانتشار وسط كومة ديون الأسر عالميا البالغة رقما قياسيا يقدر بـ 47 تريليون دولار.
البنوك الصينية تواجه 5.2 تريليون يوان زيادة في إجمالي الحسابات المتعثرة
وأشارت وكالة أنباء “بلومبرج”، إلى أن المؤشرات المبكرة في الصين ليست جيدة.
وقال مديرون تنفيذيون في بنكين طلبا عدم نشر أسمائهمن إن ديون بطاقات الائتمان المتأخرة ارتفعت بنسبة 50% الشهر الماضي مقارنة بالعام السابق.
وقالت شركة “كوديان”، المقرض عبر الإنترنت ومقره بكين، إن نسبة التخلف عن السداد قفزت إلى 20% في فبراير من 13% في نهاية العام الماضي.
وقال بنك التجار الصيني، أحد أكبر مقدمي الائتمان الاستهلاكي في البلاد، إنه أوقف نشاطه الخاص ببطاقات الائتمان بشكل مؤقت بعد زيادة كبيرة في قيمة القروض التي فات موعد استحقاقها.
وتجدر الإشارة إلى أن ما يقدر بنحو 8 ملايين شخص في الصين فقدوا وظائفهم في فبراير الماضي.
وقال مارتين تشورزيمبا، الزميل الباحث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن، إن هذه القضايا في الصين تعتبر معاينة لما ينبغي توقعه في العالم.
وأوضحت “بلومبرج”، أنه في الوقت الذي يعتمد فيه حجم الضغط على المستهلكين والمقرضين على فعالية الجهود الحكومية لاحتواء تفشي الفيروس ودعم الاقتصادات، يعتبر مجال الشعور بالألم هائلا.
وقال معهد التمويل الدولي في تقرير حديث، إن الأسر في العالم بأسره تمتلك الآن ديونا أعلى بقيمة 12 تريليون دولار مقارنة بما كانت عليه خلال الفترة السابقة للأزمة المالية العالمية. ولكن نسب ديون الأسر إلى الناتج المحلي الإجمالي في دول منها فرنسا وسويسرا ونيوزيلندا ونيجيريا، أعلى من أي وقت مضى.
وفيما يخص أستراليا، التي لديها أعلى مستويات ديون للأسر بين دول مجموعة العشرين، قال أكبر مقرض في البلاد مؤخرا إن خطوط المساعدة المالية تتلقى ثمانية أضعاف حجم المكالمات العادية.
وفي الوقت نفسه، غمر المقرضون في الولايات المتحدة بارتفاع مماثل في الاستفسارات، إذ ارتفعت أرصدة بطاقات الائتمان بشكل لم يسبق له مثيل إلى 930 مليار دولار في العام الماضي. كما قدم 3.28 مليون شخص طلبا للحصول على إعانات البطالة خلال الأسبوع المنتهي في 21 مارس الحالي، وهو ما يرتفع عن السجلات السابقة بمقدار أربعة أضعاف.
وشهدت أماكن قليلة قفزة أكبر في اقتراض المستهلكين خلال السنوات الأخيرة مقارنة بالصين، التي ارتفعت ديون الأسر لديها، بما في ذلك القروض العقارية، إلى مستوى قياسي بلغ 55 تريليون يوان في عام 2019.
وأشارت “بلومبرج” إلى أن هذا الرقم تضاعف تقريبا منذ عام 2015، بفضل طفرة الإسكان وارتفاع أعداد المقرضين عبر شبكات الإنترنت مثل “آنت فاينانشيال”، التي رغم اعتماد نماذج المخاطرة لديها على كميات هائلة من بيانات المدفوعات، إلا أنها لم تُختبر بعد من خلال انكماش اقتصادي كبير.
ويمتلك العديد من المستهلكين الذين يحصلون على هذه القروض قصيرة الأجل وعالية الفائدة، التي تمولها البنوك عادةً من خلال تطبيق Alipay للهواتف الذكية التابع لـ “آنت فاينانشيال”، الحد الأدنى من الدخل ولا يوجد لديهم تاريخ ائتماني تقريبا.
وقال تشانغ شوايشواي، المحلل في “تشاينا إنترناشيونال كابيتال كورب”، إن البنوك واصلت تخفيض معاييرها للمنافسة منذ عام 2015.
وأوضح أن تفشي كورونا، سرع من تعرض تلك البنوك للمخاطر، مشيرا إلى أن الأمور سوف تزداد سوءا فقط في حال ارتفعت معدلات البطالة بشكل أكثر.
وقال تشاو جيان، رئيس أتلانتيس للبحوث المالية، الذي استشهد بمسح للمقرضين، إن معدلات التخلف عن السداد بين المستهلكين ارتفعت في بعض البنوك بالفعل لتصل إلى 4% من نحو 1% قبل تفشي الفيروس.
وذكر مسؤول تنفيذي في أحد البنوك الصينية الكبرى أن شركته تتخذ خطوات لتشديد قروض البطاقات الائتمانية أو حتى إسقاط بعض العملاء بعد أن شهدت زيادة سريعة في قيمة المدفوعات المتأخرة.
ومع ارتفاع حجم مديونيات الشركات، يمكن أن تواجه البنوك الصينية زيادة قدرها 5.2 تريليون يوان في إجمالي القروض المتعثرة وتراجعا غير مسبوقا في الأرباح تقدر نسبته بـ 39% هذا العام، وفقا لأسوأ الاحتمالات التي وضعها محللو “يو.بي.أس جروب” هذا الشهر.
وأفادت الوكالة الأمريكية ، بأن التحفيز الحكومي الضخم سيساعد في تخفيف من شدة الضربة، إذ أعلنت معظم البلدان خططا لإجراءات الدعم الاقتصادي في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك حزمة أمريكية بقيمة 2 تريليون دولار ستوفر مدفوعات مباشرة للأمريكيين ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. كما تعهد بعض أكبر المقرضين الأمريكيين بتوفير فترات سماح لمقترضي الرهن العقاري المتأثرين بالأزمة.
وفي الصين، أغرقت السلطات النظام المالي بالسيولة وشجعت البنوك على زيادة مستوى إقراضها للشركات الصغيرة التي توظف 80% تقريبا من القوى العاملة في البلاد.
وفي حين أن معظم البنوك لم تقدم بعد تدابير لتخفيف أعباء الديون للمستهلكين الذين يعيشون في مدن مثل ووهان التي تضررت بشدة من تفشي كورونا، يتوقع بنك “يو.بي.إس” أن تقدم الحكومة الصينية المزيد إذا لزم الأمر لمساعدة الناس في العثور على وظائف ودفع فواتيرهم.
وتقدر “بلومبرج إيكونوميكس” أن نحو 85% من الاقتصاد عاد إلى العمل في الأسبوع المنتهي في 20 مارس، باستثناء مركز الفيروس الأصلي في مقاطعة هوبي.
ومع ذلك، من المستبعد مساهمة حزم التحفيز في حل تحديات الجميع، خصوصا في أماكن مثل الصين حيث ارتفعت الأزمات المالية للأسر بشكل لم يحدث من قبل.
وأوضح معهد التمويل الدولي أن نسبة الدين إلى الدخل لدى المستهلكين في الصين ارتفعت إلى 92% في نهاية عام 2018 من 30% قبل عقد من الزمان، لتتفوق بذلك على ألمانيا وتقترب من مستويات الولايات المتحدة واليابان.
ومن المؤكد أن الخطر يكمن في أن الركود الاقتصادي طويل الأمد وضعف سوق العقارات، قد يجبر مزيدا من الناس على التنصل من القروض التي حصلوا عليها.