الصناديق السيادية تضخ مئات ملايين الدولارات فى شركات التكنولوجيا الزراعية والغذائية
لأكثر من عامين، كانت وزيرة الإمارات للأمن الغذائى والمائى مريم المهيرى تستعد لمواجهة الأزمات.. لذلك كانت هى أول من يعلم ما هو متوقع عندما توقفت الطائرات عن التحليق فى سماء الإمارات مع انتشار جائحة فيروس كورونا فى جميع أنحاء الشرق الأوسط خلال مارس الماضى.
كانت المهيرى بحاجة للتأكد من أن بلدها الصحراوى، الذى يستورد %90 من طعامه، سيكون قادراً على الحفاظ على امتلاء رفوف المتاجر بالكامل.
وبينما كانت حركة الطائرات متوقفة، دعت المهيرى إلى اجتماع استثنائى لمجلس الإمارات للأمن الغذائى، إذ تبنت البلاد أنظمة الإنذار المبكر ورصدت حركة المواد الغذائية الاستراتيجية داخل وخارج البلاد، ووضعت البعثات الدبلوماسية بالخارج فى حالة تأهب تحسباً لفرض القيود على الصادرات، وسرعان ما تم اعتماد خطة لتنويع الواردات الغذائية إلى التجار الإماراتيين مع مهمة واضحة لتحديد الأسواق البديلة، وعندما حلقت الطائرات مرة أخرى لإعادة العمال الأجانب إلى دولهم، ومنها الهند وباكستان والفلبين، عادت محملة بالطعام.
لم تكن الإمارات وحدها التى تخشى أن تؤدى الاضطرابات فى سلاسل الإمداد الدولية ومخاطر فرض الحكومات لتدابير حمائية إلى أزمة غذاء عالمية، بل إن التعرض لمثل هذه الأزمات فى دول الخليج يعتبر أمراً شديد الحساسية، خصوصاً أنها تفتقر لوجود الأنهار أو البحيرات الدائمة مع قلة هطول الأمطار.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن هذه الظاهرة أدت إلى ارتفاع الاستثمارات الخارجية فى الموارد الزراعية ومشاريع التكنولوجيا الزراعية داخل المنطقة خلال العقد الماضى.
ويتوقع تسارع هذا الاتجاه بالنظر إلى الوباء، فالإمارات والسعودية تعدان بين الدول الأكثر نشاطاً، إذ تتطلعان إلى الفرص القادمة من الأمريكتين إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا.
وخلال الأشهر الـ4 التالية للإعلان عن أول حالة إصابة بفيروس «كوفيد-19 « فى الشرق الأوسط بدبى، قامت أبوظبى باستثمارات عديدة تهدف جميعها إلى تحسين الأمن الغذائى.
واشترت شركة أبوظبى التنموية القابضة، حصة نسبتها %50 فى واحدة من أكبر الأعمال التجارية الزراعية فى المنطقة، وهى شركة الظاهرة التى تعمل بالفعل فى أكثر من 20 دولة وتتخصص فى زراعة الأعلاف الحيوانية وإنتاج الأرز والدقيق والفواكه والخضراوات.
كما استثمر كيان سيادى آخر، وهو مكتب أبوظبى للاستثمار، 100 مليون دولار فى 4 شركات للتكنولوجيا الزراعية لبناء مرافق فى الإمارة يمكن وصفها بأنها الأكبر من نوعها فى العالم.
ونشطت أيضاً السعودية التى تستورد نحو ثلثى احتياجاتها الغذائية، واستحوذت الشركة السعودية للاستثمار الزراعى والإنتاج الحيوانى «سالك»، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودى، فى مايو الماضى، على %30 من مجموعة دعوات للأغذية الهندية، كجزء من استراتيجيتها لتأمين إمدادات الأرز، واستثمرت 7 ملايين جنيه إسترلينى العام الماضى فى شركة «Hummingbird Technologies» البريطانية للتكنولوجيا الزراعية، التى تستخدم طائرات دون طيار وذكاء اصطناعى وصور الأقمار الصناعية لإنتاج خرائط عالية الدقة بإمكانها مساعدة المزارعين على التن?ؤ بعائدات وثمار المحاصيل وتحديد الأمراض والأعشاب الضارة والتنبؤ بالإنتاجية.
تعلم الدبلوماسية الغذائية
لم تعان كل من الإمارات والسعودية- وهما أكبر ثقل مالى وسياسى فى المنطقة- من نقص الغذاء خلال العام الحالى، لكن فى كلا البلدين قالوا إنهم يسرعون من برامج الأمن الغذائى، بعد أن أعادت الأزمة ذكريات حالات الطوارئ الغذائية السابقة، التى كان آخرها فى عام 2008 عندما ارتفعت أسعار الأرز والحبوب.
فى ذلك الوقت، سارعت دول الخليج الخائفة، بما فى ذلك السعودية والإمارات وقطر والكويت، لتأمين مشاريع زراعية فى الخارج، خاصة فى الدول الأفريقية الفقيرة، مثل السودان وإثيوبيا، مما آثار انتقادات تدور حول استيلاء منتجى البترول الأثرياء على الأراضى، ولكن العديد من هذه المشاريع فشل فى تحقيق الهدف المرجو.
ويقول مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بالمعهد الألمانى للدراسات الدولية والإقليمية، إيكارت ويرتس، إن التحديات الأساسية التى تواجه دول الخليج لا تكمن فى الاكتفاء الذاتى، بل إدارة سلاسل الإمداد والدبلوماسية الغذائية، مشيراً إلى أن دول الخليج أصبحت الآن أكثر حذراً فيما يتعلق بتلك الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر فى الدول التى تعانى من انعدام الأمن الغذائى.
والمسئولون على أن دول الخليج كانت تعمل على تحسين استراتيجياتها فى الأعوام الأخيرة للجمع بين مزيد من الاستثمارات الخارجية المستهدفة مع تطوير الإنتاج المدعوم بالتكنولوجيا داخل البلاد، خصوصاً للخضراوات والفواكه والأسماك، كما شيدوا احتياطيات غذائية استراتيجية واستثمروا فى المطاحن والخدمات اللوجستية ومرافق الإنتاج.
ووقعت الإمارات والسعودية اتفاقية للتعاون فى مجموعة من تدابير الأمن الغذائى فى نوفمبر، بداية من الاستثمارات إلى تطوير التكنولوجيا الزراعية، حيث يتمتع كلا البلدين بطموحات جريئة.
وقالت الوزيرة الإماراتية المهيرى: «نريد أن نصبح مركزاً عالمياً للمعرفة والتكنولوجيا الغذائية، فلماذا لا يمكننا أيضاً البدء فى الزراعة الخلوية والبروتين البديل؟»، مشيرة إلى أن ثمة قائمة أغذية مستندة على التكنولوجيا، ولكنها لا تحتاج إلى كميات هائلة من المياه والأراضى الصالحة للزراعة.
ويكمن الهدف الأساسى، فى زيادة الإنتاج الغذائى المحلى بنسبة %30 بحلول عام 2021 وإعطاء صناعة المعالجة المحلية، التى تنتج 6 ملايين طن من الغذاء سنوياً، القدرة على مضاعفة الإنتاج 3 مرات إذا لزم الأمر.
صعود التكنولوجيا الزراعية
قال الشريك المؤسس لشركة «بيور هارفست»، سكاى كورتز، إن المنطقة تتمتع بميزة تنافسية، وهى الشمس والعمالة الرخيصة والطاقة الرخيصة والنقل المذهل، فضلاً عن إمكانية التحكم فى المناخ عبر التكنولوجيا، لكن العمل بالخليج فيه بعض الصعوبات، بداية من المناخ القاسى إلى ندرة المهارات وصعوبة جذب رأس المال والترويج للمنتجات المحلية، ناهيك عن الحد الأدنى من موارد المياه.
ومع ذلك، يُنظر إلى جهود الأمن الغذائى فى جميع أنحاء الخليج على أنها عمليات مكلفة وطويلة الأجل لاتزال بحاجة لإثبات قدرتها على تحقيق أهدافها على أساس مستدام، سواء من خلال الاستثمارات فى الزراعة المحلية أو المشاريع الخارجية الضخمة.
