قبل انتشار فيروس «كوفيد- 19» مباشرة، كانت الحكومة اليابانية تعمل على إصلاح نظام هجرة اليد العاملة، والذى غالباً ما يتم انتقاده لكونه شديد التقييد.
ووفقاً لهذه العملية، وقعت اتفاقيات فى عام 2019 وأوائل عام 2020 مع 12 دولة آسيوية تعمل على إرسال المهاجرين، بما فى ذلك ستة أعضاء فى رابطة دول جنوب شرق آسيا، وهى منطقة تربطها علاقات تجارية واستثمارية وثيقة باليابان، لكن النظام الجديد لم يدخل حيز التنفيذ بالكامل بعد؛ حيث انخفضت معدلات الهجرة؛ بسبب إغلاق الحدود وانخفاض النشاط الاقتصادى.
كما أن معدلات التطعيم البطيئة فى البلدان المرسلة للعمالة وظهور متحورات فيروسية جديدة والاستراتيجيات غير الواضحة لإعادة فتح الحدود، قد تؤدى إلى عام آخر بمستوى منخفض من حركة اليد العاملة.
حتى قبل الوباء، بينما كانت السلع والخدمات ورأس المال وحتى التكنولوجيا تتحرك بسلاسة داخل شرق آسيا، كان تنقل العمالة مقيداً إلى حد ما.
كما واجه العمال الذين تم تصنيفهم على أنهم غير مهرة على وجه الخصوص، وهى تسمية خاطئة؛ نظراً إلى مساهمتهم الاقتصادية، عوائق ضخمة، حسبما ذكرت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
تعكس السياسة الحالية إلى حد كبير موقف البلدان المستقبلة، فهم يرون القيمة الاقتصادية للعمال المهاجرين فى سد النقص فى العمالة لكنهم يريدون تجنب العواقب السياسية والاجتماعية للهجرة على نطاق واسع.
وهذا الأمر أدى إلى سياسات تقيد الحرية الاقتصادية للعمال المهاجرين، على سبيل المثال، القدرة على تغيير أصحاب العمل.
وعلى الرغم من كونها مناسبة سياسياً، فإنها ليست أفضل استراتيجية لتعظيم المساهمات الاقتصادية للمهاجرين، وعلاوة على ذلك كان هذا أحد أسباب تأثير الوباء على العمال المهاجرين بشكل خاص.
يوفر الوباء فرصة للدول المستقبلة للعمالة فى المنطقة- اليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايلاند- لتحرير سياسة العمال الأجانب لدعم تعافيها ونموها فى المستقبل.
وبعد كل شىء، فإن سياسة الهجرة التقييدية لن تكون مستدامة، خاصة أن النقص فى العمال سيزداد سوءاً مع شيخوخة السكان.
وفى قطاع الخدمات، على وجه الخصوص، حيث تكون المهام غير روتينية وتعتمد على التفاعلات الشخصية، ستظل العمالة البشرية أكثر فعالية من حيث التكلفة وموثوقية من أى تقنية.
وستتطلب مثل هذه الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة إمداداً ثابتاً بالعمال، حتى بينما تستفيد القطاعات الأخرى من الأتمتة، لكن هذه الدول المستقبلة للعمالة لن تستفيد دائماً من مجموعة كبيرة من المهاجرين المحتملين المستعدين لتلبية احتياجاتهم من العمل.
واليوم، ينجذب العديد من الأفراد ذوى الطموح فى الدول النامية إلى احتمالية ارتفاع مستويات المعيشة فى الدول المتقدمة وهم على استعداد للهجرة للقيام بوظائف يتجنبها السكان المحليون.
وبحسب تقرير حديث صادر عن معهد بنك التنمية الآسيوى ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ومنظمة العمل الدولية، زادت الهجرة من فيتنام إلى اليابان من 11000 فى عام 2010 إلى 123 ألف فى عام 2018، لتصبح أهم بلد مصدر لليابان.
كما ارتفعت الهجرة من كمبوديا وإندونيسيا، على الرغم من صغر عددها نسبياً، بنسبة 400% خلال هذه الفترة، وتضاعفت الهجرة من الفلبين.
ومع ذلك، قد لا يستمر هذا الاتجاه لفترة طويلة، فقد تظهر فرص أكثر جاذبية فى أماكن أخرى حيث يصبح المزيد من الدول أكثر ثراءً ولديها دخل يمكن إنفاقه على الخدمات كثيفة العمالة.
وعلاوة على ذلك، فإنَّ الدول المرسلة للعمالة نفسها تنمو بسرعة، ما يخلق فرصاً أفضل فى الداخل للمهاجرين المحتملين. فهناك فيتنام، على سبيل المثال، تعتبر واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً فى العالم.
وعلى المدى المتوسط، يمكننا أن نتوقع تقلص مجموعة الفيتناميين المستعدين لدفع التكلفة العالية للهجرة إلى اليابان.
بالإضافة إلى ذلك، نظراً إلى ديناميكيات عملية الهجرة، فإن الاضطراب غير المسبوق لحركة العمال يمكن أن يقلل من معدل الهجرة بعد الوباء.
يذكر أن أحد أسباب استمرار الهجرة مع مرور الوقت هو أن المهاجرين الحاليين يجتذبون مهاجرين جدداً، وذلك لأن وجود مجتمع كبير فى موقع ما يقلل من بعض التكاليف المرتبطة، مثل جمع المعلومات وتحديد فرص العمل. ويطلق علماء الاجتماع على هذا الأمر اسم «تأثير الشبكة الاجتماعية».








