فى منتصف عام 2018، دافع الرئيس التنفيذى لشركة «ماستركارد»، آنذاك، أجاى بانجا، بحماس عن جهود رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى، للترويج للمدفوعات الإلكترونية فى البلد الذى تهيمن النقدية على اقتصاده.
وقال بانجا، فى مقابلة فى نيويورك، إنَّ مودى «تفهم الوضع»، وسلط الضوء على دور النقود فى كل شىء بدءاً من تمويل الإرهاب إلى التجارة فى الأمور غير المشروعة.
بعد ثلاثة أعوام، وجدت «ماستركارد» نفسها فى الجانب الخطأ من خطط الهند للقطاع النقدى؛ حيث منع البنك المركزى الهندى الشهر الماضى، «ماستركارد» من إضافة عملاء، موضحاً أنها فشلت فى الامتثال للوائح- التى تم تنفيذها بعد فترة وجيزة من إشادة بانجا بنهج مودى- والتى تمنع المجموعات المالية من تخزين البيانات فى الخارج.
وفرض البنك المركزى الهندى قيوداً مماثلة على شركتى «أمريكان إكسبريس» و«دينرز كلوب إنترناشونال» فى أبريل، ما حدَّ من قدرة المجموعات المالية الأمريكية على التوسع فى أحد أكبر الأسواق نمواً بالنسبة لها.
يسعى البنك المركزى الهندى ومودى جاهدين لجعل الهند أقل اعتماداً على النقدية؛ حيث ارتفعت المعاملات الرقمية منذ سحب الأوراق النقدية عالية القيمة التى كانت تشكل نسبة كبيرة من عملة البلاد فجأة فى عام 2016.
كذلك، أطلق البنك المركزى واجهة المدفوعات الموحدة، وهى شبكة نقود عبر الهاتف تسمح بالتحويلات الفورية من بنك إلى بنك، فى العام نفسه.
وقال المسئولون، إنَّ هذه الإصلاحات تعتبر أمراً حيوياً لخفض تكلفة طباعة النقود، وتطوير الاقتصاد الهندى الذى لا يزال غير رسمى إلى حد كبير، وزيادة الشمول المالى، والقاعدة الضريبية.
وأفادت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، بأن تطور سوق المدفوعات فى هذا البلد ذى الكثافة السكانية البالغة 1.4 مليار نسمة تقريباً تتم مراقبته عن كثب فى جميع أنحاء العالم.
وأوضحت أنَّ التوسع فى الخدمات المالية يخلق فرص عمل هائلة، فى سوق لا يمتلك فيه 20% من السكان حسابات بنكية و3% فقط لديهم بطاقات ائتمان.
وقدمت ثلاث مجموعات هندية تعمل فى مجال التكنولوجيا المالية- بما فى ذلك «باى تى إم»، المدعومة من مجموعة «على بابا»، و«بوليسى بازار» المدعومة من مجموعة «سوفت بنك»- مؤخراً طلبات لطرح أسهمها للاكتتاب العام الأولى.
يقول راجان باجاج، مؤسس شركة ناشئة للبطاقات بمدينة بنغالور الهندية: «الجميع يخرجون للمنافسة، فالهند تعتبر سوق بطاقات الائتمان الأسرع نمواً فى العالم بأسره فى الوقت الحالى. فرصتنا هائلة».
مع ذلك، قال المنتقدون، إنَّ سياسات مثل متطلبات توطين البيانات التى سببت تعثر «ماستركارد» و«أمريكان إكسبريس» كانت مصممة لتعزيز السيطرة على النشاط التجارى، وإقامة حواجز تجارية. وتعليقاً على هذا الأمر، قال مسئول تنفيذى أجنبى، إنَّ السلطات الهندية «تفكر فى محاولة السيطرة على الأشياء بدلاً من وضع إطار للابتكار».
فى غضون ذلك، أدانت الولايات المتحدة سياسات الهند ووصفتها بأنها «تمييزية وتشوه التجارة»، إذ تنص القواعد على أنه يجب تدمير أى بيانات مالية تتم معالجتها فى الخارج فى غضون 24 ساعة وتخزينها فى الهند فقط.
ويجب على الشركات تقديم عمليات تدقيق من طرف ثالث تظهر الامتثال لهذه القواعد، وهو ما يقول البنك المركزى الهندى إنه ضرورى لمنع غسيل الأموال والأنشطة غير القانونية الأخرى.
ومن هذا المنطلق، جادلت الشركات بأن القواعد كانت مكلفة وتؤدى إلى نتائج عكسية وشجعت الدول الأخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، حسبما ذكر شخص مطلع على المناقشات الجارية مع المنظمين.
قال ألكسندر سلاتر، نائب العضو المنتدب لمجلس الأعمال الأمريكى الهندى، الذى يضغط لمصالح الأعمال الأمريكية: «التدفق الحر للبيانات عبر الحدود هو حجر الأساس لعلاقة استراتيجية واقتصادية قوية بين الولايات المتحدة والهند».
ومع ذلك، رد المدافعون عن القواعد قائلين إنَّ «ماستركارد»- التى وفقاً لتقديرات مجموعة التكنولوجيا المالية «بى. بى. أر. أو» تمثل ثلث سوق البطاقات فى الهند- فشلت فى الامتثال للقواعد رغم الفرص الوفيرة.
منذ الحظر الذى فرضه البنك المركزى الهندى الشهر الماضى، قالت «ماستر كارد»، إنها قدمت تدقيقاً جديداً أجرته شركة «ديلويت» فى محاولة لمعالجة مخاوف الجهات التنظيمية.
وقالت «ماستركارد» فى بيان: «لقد عملنا عن كثب مع البنك المركزى والحكومة الهندية لضمان امتثالنا لكل من نص وروح النظام».
لم يتأثر العملاء الحاليون لكل من «ماستر كارد» و«أمريكان إكسبريس»، لكن قرار البنك المركزى الهندى ترك شركة «فيزا» باعتبارها اللاعب الوحيد الكبير غير المقيد للمدفوعات الأجنبية فى البلاد. ثمة شكل واحد من أشكال الدفع غير النقدى لا تحرص السلطات لاستخدامه، وهو العملات المشفرة، التى هددت الحكومة بحظرها؛ حيث تنظر الحكومة إلى الرموز الرقمية باعتبارها تهديداً للسيطرة السيادية على العملة، ويفكر البنك المركزى الهندى، كما هو الحال مع العديد من البنوك المركزية الأخرى، فى إطلاق عملته الرقمية الخاصة.
وجادل البعض بأن جهود الهند للترويج للمدفوعات الرقمية مع الحفاظ على السوق فى ظل قيود أكثر إحكاماً، كانت انعكاساً للتيارات السياسية المتغيرة فى جميع أنحاء العالم.
قال أحد أصحاب رأس المال الاستثمارى الذى استثمر فى شركات التكنولوجيا المالية الهندية: «جميع الدول الأكبر حجماً تخلق شروطاً حدودية حتى يكون لديها نفوذ قوى.. إنه شىء عالمى».
