بعد أكثر من عقد من إجراءات التقشف والإنقاذ المالي، التي أنقذت اليونان من الإفلاس والخروج من منطقة اليورو، عادت البلاد إلى وضعها الطبيعي وأصبحت على أعتاب استعادة تصنيف الدرجة الاستثمارية.
غيرت وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز” نظرتها للبلاد مؤخرًا من “مستقرة” إلى “إيجابية”، وهذا التحديث سيضع اليونان عند “BBB-“، وهو أقل تصنيف استثماري للوكالة.
يتوقع الكثيرون، بمن فيهم محافظ البنك المركزي لليونان، أن يأتي هذا التحديث بعد انتخابات 21 مايو إذا واصلت الحكومة الجديدة الإصلاحات وحافظت على الاستقرار السياسي.
أوضح فوكيون كارافياس، الرئيس التنفيذي للمقرض اليوناني “يوروبنك”، أن العودة إلى الدرجة الاستثمارية، التي لا ترتبط بها تكاليف الاقتراض الحكومية فقط بل ترتبط أيضًا ارتباطًا وثيقًا بالمقرضين والشركات المحلية، ستسلط الضوء على “أعظم تحول في النظام المالي الأوروبي”.
وأفاد أن “العديد من الأصوات طالبت بخروج اليونان من منطقة اليورو، وكانوا يجادلون بأن ديون البلاد لن تستمر أبدًا، وأنه من المستحيل تحقيق فوائض أولية، وأن النظام المصرفي لن يقدر على تخفيض مخزون الديون المعدومة، لكن في النهاية ليس هناك مستحيل”.
يزدهر الاقتصاد اليوناني الآن بقوة بعد أعوام من المشاكل، ليشهد أحد أقوى الانتعاشات بعد جائحة كورونا، باجمالى ناتج محلى قدره 8.4% في 2021 و 5.9% العام الماضي.
أوضحت بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي “يوروستات” أن اليونان سجلت فائضًا أوليًا في الميزانية قدره 0.1%، كما انخفضت القروض المتعثرة في الميزانية العمومية للبنوك من أكثر من 50% في 2016 إلى نحو 7% الآن.
يتوقع اقتصاديو وكالات التصنيف الائتماني والبنوك الاستثمارية، مثل “جولدمان ساكس”، استمرار تفوق اليونان على دول الكتلة الأوروبية هذا العام والأعوام القادمة.
تركت تدابير التقشف بصماتها على اليونان التي تعاني الآن من أحد أعلى معدلات الفقر النسبي في الاتحاد الأوروبى، حسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وحتى أسابيع ماضية، كان الحد الأدنى للأجور، الذي تصاعد من 832 يورو إلى 910 شهريًا، أقل مما كان عليه منذ 12 عامًا.
يظل الناتج الاقتصادي لليونان أقل بكثير من مستويات ما قبل الأزمة بعد الانكماش بمقدار الربع تقريبًا من الذروة إلى الحضيض.
عن ذلك، يعتقد جيورجوس شولياراكيس، المستشار الاقتصادي لمحافظ البنك المركزي اليوناني، أن العودة للذروة “لا تزال تحتاج إلى عقد آخر”، بينما ستتعزز الأجور عبر “خطة الاستثمار الجادة متعددة الأعوام في رأس المال البشري والبنية التحتية والخدمات الصحية الرئيسية”.
لم تؤدِ الإصلاحات إلى استقرار الاقتصاد الذي يواجه سقوطًا حرًا فقط، بل أدت أيضًا إلى بعض التحسينات الحقيقية، أبرزها التجارة، فقد ارتفعت صادرات السلع بالبلاد بنسبة 90% بين 2010 و2021، مقارنة بـ42% في منطقة اليورو ككل.
بدأ الألم يؤتي ثماره الآن، فبعد ارتفاعها إلى 206% وسط كورونا، تراجعت ديون الحكومة اليونانية كحصة من الناتج المحلى الإجمالى إلى 171% العام الماضى، لتبلغ أدنى مستوياتها منذ 2012، وهو واحد من أسرع معدلات خفض الديون بالعالم.
ويُتوقع استمرار هذا الانخفاض في العام الحالى بمساعدة التضخم.
ساعد كوفيد في زيادة الإيرادات من خلال إجبار الناس على استخدام المدفوعات الإلكترونية التي يسهل تتبعها مع إغلاق المتاجر.
استفادت اليونان أيضًا من ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 50% العام الماضي، ليبلغ أعلى مستوياته منذ بدء السجلات في 2002.
من المقرر أن يقدم صندوق التعافي الاقتصادي للاتحاد الأوروبي منحًا وقروضًا قدرها 30.5 مليار يورو لليونان بحلول 2026، أي ما يعادل 18% من الناتج المحلي الإجمالي الحالي.
انتعشت السياحة، وهو أهم قطاع في الاقتصاد اليوناني ممثلاً حوالي خمس الناتج المحلي الإجمالي، العام الماضي لتصل إلى 97% من مستويات ما قبل الوباء، علمًا بأن الأجانب لا يقضون عطلاتهم في البلاد فحسب بل يستثمرون أيضًا بكثافة في العقارات.
كما ازدهرت أعمال البناء، وهو القطاع الأكثر تضررا خلال الأزمة المالية.
كتبت .. وعد محمد