تواجه مشروعات بحرية لطاقة الرياح أزمة اقتصادية قضت على مخططات إنفاق تقدر بمليارات الدولارات هذا الأسبوع، فيما يحتاج العالم الآن إلى طاقة نظيفة أكثر من أي وقت مضى.
وافقت وحدة تابعة لشركة “إبيردرولا” الإسبانية على إلغاء عقد لبيع الطاقة من محطة رياح مخطط لها قبالة ساحل ماساتشوستس.
وخسرت شركة التطوير الدنماركية “أورستد” مناقصة لتوفير طاقة الرياح البحرية في رود آيلاند، التي قالت وحدتها الرئيسية إن الزيادة المستمرة في التكاليف جعلت المشروع باهظ التكلفة.
وألغت شركة “فاتينفول” السويدية المملوكة للدولة خططاً لإنشاء محطة رياح قبالة الساحل البريطاني، بسبب أزمة التضخم.
وتدفع التكاليف الباهظة إلى إلغاء تنفيذ مشروعات لطاقة الرياح البحرية حتى مع ارتفاع الطلب على الطاقة المتجددة.
وتؤدي الحرارة الشديدة الناتجة عن تغير المناخ إلى إجهاد شبكات توليد الكهرباء في جميع أنحاء العالم، مما يؤكد الحاجة إلى مزيد من توليد الطاقة-ويزيد الحاجة المُلحّة إلى المطالبة بالتحوّل بشكل أسرع عن الوقود الأحفوري.
وفي أوروبا، منحت الجهود الرامية إلى تقليص الاعتماد على النفط والغاز الروسيين زخماً لمشروعات الطاقة النظيفة.
قالت هيلين بيستروم، رئيسة أعمال الرياح في شركة ” فاتينفول”، في مكالمة بشأن الأرباح هذا الأسبوع: “الطاقة القادمة من هذه المشروعات مطلوبة بشدة. أما في ظل ظروف السوق الجديدة، ليس من المنطقي الاستمرار في تنفيذها”.
مشروعات أمريكية مهددة
يُشار إلى أن إجمالي الطاقة المتوفرة من هذه المشروعات الثلاثة هو 3.5 جيجاواط -أكثر من 11% من إجمالي أسطول الرياح البحرية المنتشر حالياً في مياه الولايات المتحدة وأوروبا. يمكن أن تزداد هذه الأرقام قريباً. فهناك ما لا يقل عن 9.7 جيجاواط من مشروعات الطاقة الأمريكية معرضة للخطر، ذلك أن مطوريها يريدون إعادة التفاوض أو التخارج من العقود لبيع الطاقة بالأسعار التي يقولون إنها الآن منخفضة للغاية بحيث لا تجعل الاستثمارات تستحق ذلك، وفقاً لـ “بلومبرج إن إي إف”.
المشروعات التي أُلغيت تشكّل أحدث مؤشرات الإجهاد التي تواجهها محطات طاقة الرياح البحرية التي تستخدم توربينات أكبر من ناطحات السحاب لتجميع الطاقة من هواء البحر، حيث تكون الرياح أقوى وأكثر ثباتاً.
وأجبر ارتفاع تكاليف المواد، خاصة بالنسبة للصلب، صانعي التوربينات على رفع الأسعار. وقفزت تكاليف الخدمات الرئيسية الأخرى، مثل السفن المتخصصة لتركيب التوربينات، بشكل حاد أيضاً. كما ترتب على ارتفاع أسعار الفائدة زيادة كبيرة في تكلفة الاقتراض.
هذا لا يعني أن الاستثمار قد توقف بشكل كامل. فلا تزال بعض المشروعات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مستمرة، على الرغم من ارتفاع التكاليف. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قدمت شركتا النفط العملاقتان “بي بي” و”توتال إنرجيز” عرضاً بقيمة 12.6 مليار يورو (14 مليار دولار) لتطوير محطات رياح بحرية في بحر الشمال بألمانيا. لكن المشروعات الملغاة والمتأخر تنفيذها تظهر أنه إذا التزمت الحكومات بمشروعات الرياح البحرية، تعين عليها دفع المزيد لاستكمالها.
ارتفاع حاد بعد سنوات من الانخفاض
قال مادس نيبر، الرئيس التنفيذي في “أورستد”، في تدوينة له على موقع “لينكدإن”، إن تكاليف رأس المال وأسعار التوربينات والكابلات والمعدات الأخرى “ارتفعت بشكل حاد. هذا يعني أن سعر الطاقة المتجددة للأسف يجب أن يرتفع مؤقتاً بعد سنوات من الانخفاض الحاد”.
في الوقت الذي تستمر فيه بعض المشروعات في المستقبل، فإنها ستحتاج إلى أن تكون قادرة على تحصيل أسعار مرتفعة للطاقة حتى تضمن استمرارية الاستثمارات. وأي تأخير يعني المزيد من الاعتماد على المولدات المُدارة بالوقود الأحفوري التي تتسبب في تغير المناخ، مما يجعل أهداف خفض الانبعاثات بعيدة المنال.
تعد الرياح البحرية أمراً بالغ الأهمية لإنجاز أهداف إزالة الكربون. فالحجم الهائل للتوربينات البحرية يجعلها واحدة من أكثر الطرق فعالية لتوليد الكهرباء المتجددة. وفي الولايات المتحدة، يمكن أن ينتج كل ميجاواط من السعة المركبة لمحطات الرياح البحرية ما يصل إلى ثلاثة أضعاف ما يمكن أن يولده مجمع للطاقة الشمسية، وفقاً لبيانات “بلومبرج إن إي إف”.
أما في بريطانيا التي تشهد غيوماً مكثفة، فتنتج محطات الرياح خمسة أضعاف الكهرباء المنتجة من محطة شمسية مماثلة في الحجم.
أدى ذلك إلى وضع الحكومات في جميع أنحاء العالم أهدافاً طموحة لتوسيع نطاق تركيب المحطات. يهدف الرئيس جو بايدن إلى توفير 30 جيجاواط من محطات الرياح البحرية في الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد الجاري، التي لا تتوفر منها أي طاقة اليوم.
في أوروبا، تعهدت دول مثل المملكة المتحدة وألمانيا وهولندا في وقت سابق من هذا العام بالوصول إلى 120 جيجاواط من طاقة الرياح بحلول عام 2030، أي أكثر من أربعة أضعاف القدرة الحالية.
ولكن مع استمرار رغبة الحكومات في تحقيق أهدافها الخضراء تقدم تخفيضات في التكلفة للمستهلكين، وليس من الواضح كيف يمكنها تحقيق هذا النوع من التوسع.
قالت ميجان سميث، المديرة المساعدة للرياح البحرية في “كاربون تراست”: “إعلان فاتينفول بوقف تطوير محطة الرياح في نورفولك بوريس يمهد لما يمكن أن يصبح أزمة حقيقية. يجب على صانعي السياسات أن ينتبهوا لذلك، وأن يتخذوا إجراءات سريعة تضمن عدم اتباع المزيد من المطورين ومحطات الرياح نفس المسار”.
اقتصاد الشرق








