يتمتع الاقتصاد الأمريكي بدفعة من سياسات المبادئ الاقتصادية التي تستند إليها السياسات الاقتصادية لإدارة الرئيس بايدن أو ما يعرف اختصارا باسم “بيدنوميكس” ، والعجز المتضخم في الميزانية الفيدرالية، مما يغذي الآمال في إمكانية تجنب الولايات المتحدة للركود، فيما تزيد المخاوف من وقوعه في فخ الديون والتضخم المرتفع للغاية.
ساعدت التشريعات الثلاثة التي أيدها الرئيس جو بايدن- وهي زيادة الإنفاق على البنية التحتية وارتفاع الاستثمار في الاقتصاد الأخضر وتعزيز صناعة أشباه الموصلات- في تحفيز الطلب خلال الربع الثاني، ومن المرجح أن يكون لها تأثير أكبر في المستقبل.
وتأثر النمو الاقتصادي بشكل غير متوقع بسبب اتساع عجز ميزانية الحكومة الفيدرالية، مدفوعًا جزئيًا بمدفوعات الضمان الاجتماعي الضخمة والتأخير في مدفوعات ضريبة الدخل من قبل الشركات والمقيمين في كاليفورنيا.
والسؤال الرئيسي هو ما إذا كان الدعم الذي تزيد قيمته عن تريليون دولار القادم من “بيدنوميكس”، والذي يهدف الرئيس إلى جعله أحد أعمدة حملته لإعادة انتخابه، حسن التوقيت، فثمة جدل دائر حول ما إذا كانت هذه السياسات تمهد الطريق أمام هبوط ناعم للاقتصاد أو ارتفاع متجدد في التضخم.
وجد المدافعون عن كل سيناريو دعمًا لآرائهم في تقرير التوظيف الأخير، إذ تباطأ نمو الأجور لكنه ظل ثابتًا الشهر الماضي، ما يدعم الآمال في تمكن الولايات المتحدة من تجنب الركود.
لكن مكاسب الأجور ظلت مرتفعة، مما أدى إلى تغذية مخاوف التضخم، حسب ما نقلته وكالة أنباء “بلومبرج”.
يأتي مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في “موديز أناليتيكس”، ضمن أولئك الذين يرون أن “بيدنوميكس” تشكل ميزة إضافية، والذين يعتبرون أنها ستساعد في تعويض الأثر الاقتصادي المتأخر للتشديد الائتماني القوي من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي والسماح للولايات المتحدة بتجنب الركود.
قال زاندي إن “التوقيت مناسب جدا”، خاصة أنه يحسب أن “بيدنوميكس” ستشكل حوالي 0.4% من معدل النمو الاقتصادي الضئيل نسبياً والبالغ 1% المُحدد للعام المقبل.
في الوقت نفسه، يشعر خبراء الاقتصاد الآخرين بالقلق من أن سياسات بايدن التحفيزية تعمل بشكل متعارض مع جهود الاحتياطي الفيدرالي لإبطاء النمو وخفض التضخم إلى هدفه البالغ 2%، وربما يمهد الطريق لمزيد من رفع أسعار الفائدة العام المقبل.
تزايد المخاطر
قال نيل دوتا، رئيس قسم الاقتصاد في “رينيسانس ماكرو ريسيرتش”، إن “المخاطر تزداد بشأن إمكانية تسبب النمو القوي الآن في زيادة التضخم لاحقًا، مجادلاً بأن الاقتصاد المرن وسوق العمل الدائم قد تجاهلا بالفعل الزيادات السريعة في أسعار الفائدة الأمريكية.
لا غرابة في أن إدارة بايدن تنظر إلى سياساتها باعتبارها إيجابية ولا تشوبها شائبة.
وقالت وزيرة العمل بالإنابة جولي سو في تلفزيون “بلومبرج” مؤخرًا، إن “سياسات الرئيس الاقتصادية (بيدنوميكس) تعمل لصالح الشعب الأمريكي”.
تتضح فوائد “بيدنوميكس” بشكل متزايد للشركات، مع توقعات بمزيد من المساعدة في المستقبل.
صرح جيم فيترلينج، الرئيس التنفيذي لشركة “داو”، للمحللين في 25 يوليو: “شهدنا بالفعل طلبًا قويًا للغاية في مجالات مثل الأسلاك والكابلات الخاصة بالاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل عالي الجهد.. ولا أعتقد أن هذا الطلب سيتراجع”.
تضاعف الإنفاق على بناء المصانع تقريبًا العام الماضي، مدفوعًا بالإعانات والمظاهر الأخرى للدعم الحكومي المقدم لصناعات مثل الطاقة النظيفة وأشباه الموصلات، علمًا بأن عمالقة مثل “فورد موتور” و “إنتل”، بجانب كثير من الشركات الأصغر، تستغل البرامج الحكومية لبناء مصانع جديدة.
وفي استجابة جزئية لازدهار عملية تشييد المصانع، رفعت إلين زينتنر، كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين لدى “مورجان ستانلي” وفريق عملها مؤخرًا توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي للعام الجاري بمقدار 0.7% ليصل إلى 1.3%، وأعادوا تأكيد توقعاتهم تجاه “الهبوط السلس”.
يذكر أيضًا أن ارتفاع الاستثمار في البنية التحتية العامة كان سبباً آخر وراء هذه الترقية في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
اتساع العجز
تتفاقم حالة انعدام اليقين بشأن التأثير التضخمي لسياسات “بيدنوميكس” بسبب تضخم عجز الميزانية، والذي يرجع جزء صغير منه فقط إلى برامج الرئيس، إذ بلغت قيمته 1.4 تريليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الذي ينتهي في سبتمبر، وهذا يقترب من ثلاثة أضعاف رقم العام السابق.
سلطت مؤسسة التصنيف الائتماني “فيتش” الضوء على التدهور طويل المدى في الشؤون المالية للحكومة من خلال تجريد الولايات المتحدة من تصنيفها الائتماني “أيه أيه أيه”.
ثمة مجموعة من البنود الكامنة خلف اتساع العجز خلال العام الحالي، وبعضها ليس له أي تأثير واضح على الاقتصاد، مثل إنهاء تحويلات الاحتياطي الفيدرالي للأموال المكتسبة من حيازاته للسندات إلى وزارة الخزانة.
أما البعض الآخر، مثل دفع 101 مليار دولار إضافية لمتلقي الضمان الاجتماعي وتأخير مدفوعات ضرائب كاليفورنيا حتى أكتوبر بسبب الكوارث الطبيعية هناك، فقد وضعوا مزيدا من الأموال في جيوب المواطنين.
قال مايكل فيرولي، كبير الاقتصاديين الأمريكيين لدى “جي بي مورجان تشيس آند كو”، إن العجز الأكبر يساعد في تفسير مرونة الاقتصاد المفاجئة حتى الآن هذا العام، وهو أحد الأسباب التي دفعته إلى إلغاء توقعاته بحدوث ركود اقتصادي.
لكنه حذر من أنه سيكون من الخطأ أن يأخذ الاحتياطي الفيدرالي متانة الاقتصاد كضوء أخضر للمضي قدمًا في رفع أسعار الفائدة، خصوصا أن مستوى العجز سيتقلص على الأرجح خلال العام المالي المقبل، والذي يبدأ في أكتوبر، موضحًا أن “بنك الاحتياطي الفيدرالي بحاجة لإدراك ذلك بدلاً من مجرد المضي قدمًا بكامل قوته”.








