ما الذي ينتظر الوافدون الآسيويون الجدد في سوق الغاز المسال؟

الإمدادات الفورية ستظل ضيقة على الأرجح .. والأسعار ستواصل الارتفاع

هدأت حدة الاضطرابات التي شهدتها أسواق الغاز العالمية العام الماضي، والتي نجمت عن خنق روسيا لصادرات الغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، وما تلاه من شراء القارة للشحنات من موردين آخرين بأسعار قياسية عالية.

هذه الاضطرابات علمت مشتري الغاز الطبيعي المسال الآسيويين الحساسين للسعر عددًا من الدروس المؤلمة التي يجب أن تكون جديرة بالملاحظة بالنسبة للوافدين الجدد الذين يبحثون عن وقود أكثر نظافة لتوليد الكهرباء.

في الأشهر الأخيرة، كلفت كل من فيتنام والفلبين وهونج كونج، أول منشآتهم باستيراد الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى حالته الغازية في عملية أثارت ضجة كبيرة.

يعد إنشاء محطات جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال ومنشآت إعادة تحويله إلى حالته الغازية والتوزيع والتشغيل، خاصة بعد التأخيرات وتقلص سلسلة التوريد بسبب كوفيد، إنجازًا هامًا.

لكن لسوء الحظ، تواجه الأسواق الجديدة الآن تحديًا كبيرًا في حشد إمدادات موثوقة ومعقولة التكلفة من الغاز الطبيعي المسال لتغذية أنظمتها المفتتحة حديثًا.

انخفضت أسعار الغاز الطبيعي المسال في السوق الفورية من 70.50 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في أغسطس الماضي، وهو سعر يعادل 409 دولارات لبرميل البترول، إلى حوالي 12 دولارا، لكنها ما تزال مرتفعة كما كانت خلال الخمسة أعوام السابقة لحرب أوكرانيا.

على مدى عام 2022 بأكمله، بلغ متوسط أسعار الغاز الطبيعي المسال الفوري 34 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في آسيا، وهو ما يقرب من ضعف المتوسط المسجل في العام السابق.

وفي ظل هذا السعر المرتفع، تراجعت واردات الغاز الطبيعي المسال إلى المنطقة بنسبة 7.6% إلى حوالي 251.9 مليون طن متري العام الماضي، وهو أول انخفاض لها منذ 2015 وانعكاس لنمو نسبته 7% في 2021.

لم يستطع العديد من المشترين تحمل الأمر وانسحبوا ببساطة من السوق الفوري، وتحول البعض إلى حرق مزيد من الفحم، ولجأ البعض الآخر إلى تقنين الطاقة وقطع التيار الكهربائي.

في محاولة لمنع اشتداد حدة التضخم، حدت بعض الحكومات من أسعار الغاز والطاقة، ثم قامت إما بدعم المرافق المتضررة أو أجبرتها على استيعاب الألم.

تستمر أوروبا في سحب كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال من السوق خاصة أن إمدادات الغاز التي تصل عبر خط الأنابيب القادم من روسيا أصبحت الآن أقل من 15% من مستويات ما قبل الحرب.

وخلال النصف الأول من 2023، ارتفعت واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 8% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، كما ارتفعت الواردات بنسبة 60% في 2022.

يأتي كل الغاز الطبيعي المسال المتدفق إلى أوروبا تقريبًا من السوق الفورية.

في المتوسط، تؤمن الاقتصادات الآسيوية أكثر من 70% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال من خلال عقود طويلة الأجل توفر ضمانًا نسبيًا بشأن أحجام العرض واستقرار الأسعار.

وقد أثبت العام الماضي أن الاعتماد بنسبة 30% على السوق الفورية قد يكون محفوفًا بالمخاطر عند ارتفاع الأسعار، كما أن نسبة السوق الفورية تعتبر أعلى في العديد من اقتصادات المنطقة.

حصلت هونج كونج فقط على عقد طويل الأجل من بين المستوردين الآسيويين الجدد للغاز الطبيعي المسال هذا العام، بينما لا تزال فيتنام والفلبين معرضتين تمامًا لتقلبات السوق الفورية.

ويكاد يكون من المؤكد أن تظل السوق غير مستقرة طالما استمرت أوروبا في سد فجوة العرض الروسية الهائلة بواردات الغاز الطبيعي المسال.

وعلى غرار مستوردي الغاز الطبيعي المسال الآخرين عبر جنوب شرق وجنوب آسيا، تواجه فيتنام والفلبين تحديًا رئيسيًا وهو صعوبة تحمل اقتصاداتهم لأسعار الطاقة إذا مُررت تكاليف الغاز الطبيعي المسال الحالية بالكامل، فهذه الحكومات ليس لديها شهية لتحمل عبء دعم الغاز الطبيعي المسال الباهظ الثمن، ولا ينبغي لها ذلك.

يذكر أن فجوة الأسعار حادة بشكل خاص بالنسبة لفيتنام والفلبين، إذ تطورت قطاعات الطاقة لديهما حول إمدادات الغاز المحلية الرخيصة نسبيًا والتي أصبحت الآن أقل من الطلب.

كانت فكرة إدراك أن تقلبات سوق الغاز العالمية باقية، سببًا في ظهور استجابات مختلفة من مستوردي الغاز الطبيعي المسال الآسيويين الأكثر خبرة.

فقد تسابق البعض، بمن فيهم المشترون الكبار، وهم الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، لتأمين مزيد من احتياجاتهم المتوقعة من خلال عقود طويلة الأجل.

كما بدأت هذه الاقتصادات الآسيوية وغيرها من الاقتصادات الآسيوية الكبيرة ، في خفض أهداف حصة الغاز في سلال طاقتها، لصالح مضاعفة مصادر الطاقة المتجددة أو الطاقة النووية في بعض الحالات.

في ظل وضع أمن إمدادات الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف في مقدمة الأجندة السياسية، تتراجع حكومات عديدة أيضًا عن خطط إيقاف تشغيل محطات الطاقة العاملة بالفحم وإزالة قيود الإنتاج المحلي وواردات الفحم.

يجب أن تخطط فيتنام والفلبين للأمام بعيدًا على افتراض أن إمدادات الغاز الطبيعي المسال من السوق الفورية ستظل أكثر تكلفة من الغاز المحلي وعرضة للاضطراب، وذلك على المدى المتوسط على الأقل.

بشكل عام، يجب حماية مثل هذه الصفقات من التقلبات الشديدة التي قد تُصبح سمة دائمة لسوق الغاز الطبيعي المسال الفوري، ما يمنح المشترين درجة من القدرة على التنبؤ بالأسعار واستقرار العرض، لكنها ستكلفهم على الأرجح أكثر بكثير مما كان متصوراً قبل بضع أعوام فقط، خصوصا مع تقلص إمدادات البترول والغاز العالمية بسبب النقص المزمن في الاستثمار في تطوير الوقود الأحفوري.

ربما يكون الوقت قد حان للقادمين الجدد المتحمسين إلى سوق الغاز الطبيعي المسال في آسيا لإعادة فحص أهداف استهلاك الغاز الوطنية المستندة إلى الواردات المتزايدة، على الأقل لبقية العقد الحالي، وربما لا تكون الإمدادات مستقرة وميسورة التكلفة مرة أخرى في أي وقت قريب.