على مدار السنوات الماضية، تحولت مساحات واسعة من الأراضى القاحلة فى موريتانيا إلى واحات خضراء صالحة للزراعة، ويأتى ذلك فى ظل جهود الفنيين الزراعيين الصينيين، الذين يساعدون المزارعين والرعاة المحليين فى تحسين التربة وزيادة إنتاج المحاصيل باستخدام أحدث التكنولوجيات الزراعية.
ويعد المركز الصيني- الموريتانى النموذجى لتكنولوجيا تربية الحيوانات مشروعا رئيسيا للمساعدات الخارجية الصينية، ويقع فى منطقة على حافة الصحراء الكبرى، حيث كان من الصعب زراعة البرسيم والمحاصيل العلفية الأخرى. وعن طريق اختيار الأصناف الملائمة وتطبيق تقنيات الرى الموفرة للمياه، نجح الباحثون الصينيون بالمركز فى زراعة ما يقرب من 1000 مو (المو الواحد يساوى نحو 667 مترا مربعا) من الأعلاف فى هذه الأراضى الصحراوية.
وقالت تشانغ مى أو، وهى مسؤولة فى المركز، إن الأعمال الرئيسية للمركز تركز على تحسين تربية البذور وزراعة الأعلاف ومكافحة التصحر وغيرها، مع نقل التكنولوجيات المتقدمة إلى موريتانيا فيما يتعلق بتربية الحيوانات ومكافحة التصحر، والتى تم تطبيقها بنجاح فى منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوى بشمال غربى الصين.
وقالت تشانغ: “إن تكنولوجيا الزراعة واسعة النطاق تلعب دورا كبيرا فى زيادة إنتاج البرسيم فى موريتانيا. ويمكننا الآن حصاد العشب المجفف طبيعيا بمتوسط حوالى 4400 كيلوغرام لكل مو سنويا، أى ما يعادل أكثر من ضعف متوسط الإنتاج لكل مو فى نينغشيا خلال الفترة المماثلة.”
وأضافت تشانغ أن المركز يكثف جهوده لتعزيز تحسين التربة بشكل مستدام وتوسيع مساحة الزراعة وتحقيق استقرار الإنتاج، مما يخفض تكاليف الزراعة بشكل تدريجي، مشيرة إلى مواصلة تنفيذ برنامج الاقتصاد الدائرى المتمثل فى “البقر وروث البقر والوقود الحيوى والحقول”.
وفى الوقت ذاته، قام المركز، اعتمادا على التكنولوجيا الناضجة للوقاية من التصحر ومكافحته فى نينغشيا، بإجراء اختبارات تكنولوجيا التخضير وترويجها فى موريتانيا، التى تعانى من التصحر المتزايد على مر السنين. وحتى نهاية عام 2022، تمت زراعة أكثر من 12 ألف شجرة للتخضير.
واستطردت قائلة: “سيواصل مركزنا التعاون مع الأكاديمية الصينية للعلوم والجمعية الصينية لمكافحة التصحر وصناعة الرمال وغيرها من المؤسسات المعنية لتطبيق الخبرة الصينية الناضجة فى دمج زراعة المحاصيل النقدية مع مكافحة التصحر بشكل كامل لمساعدة السكان المحليين على زيادة دخلهم”.
بالإضافة إلى ذلك، شارك الفنيون الصينيون تكنولوجيات مثل تحسين التربة والرى الموفر للمياه مع نظرائهم فى الإمارات والسودان ودول أخرى، مع تعميق تبادل التكنولوجيات الزراعية معهم، مما دفع التعاون الزراعى بين الصين والدول العربية إلى مستوى جديد.
بدوره، قال الدكتور هانى مهنا، خبير مصرى فى مجال الهندسة الزراعية بالمركز القومى للبحوث بمصر، إن التكنولوجيات الصينية الحديثة فى مجال الزراعة، بما فى ذلك استصلاح الأراضى المالحة والقلوية وصناعة الآلات الزراعية، يمكن أن تستفيد منها مصر والدول الأخرى فى القارة الإفريقية.
وذكر هانى مهنا، وهو أيضا نائب كبير المهندسين فى أكاديمية بحوث صناعة المعدات الزراعية الذكية لدلتا النهر الأصفر، والتى يقع مقرها فى مدينة دونغيينغ بمقاطعة شاندونغ بشرقى الصين، أن الصين حققت تطورات ملحوظة فى قطاع الزراعة خلال العقد الماضي، إذ تم تطوير أنواع جديدة من بذور المحاصيل والأسمدة والآلات الزراعية، إلى جانب إنشاء مزارع كبيرة وتطوير الزراعة الذكية.
وقال: “شهدت فى المزارع الكبيرة استخدام التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء والتكنولوجيا الذكية والماكينات غير المأهولة، مما يجعل زراعة المحاصيل أكثر فعالية ويرفع من القدرة الإنتاجية ويحقق أقصى قدر من العوائد لكل وحدة من الأراضي”.
ويرى المهندس المصرى أن هناك العديد من أوجه التشابه بين مصر والصين فى مجال الزراعة. فعلى سبيل المثال، هناك ما يقرب من 7 ملايين مو من الأراضى المالحة والقلوية فى دلتا النهر الأصفر بالصين، فى حين تغطى الأراضى الصحراوية معظم مساحة مصر، وأضاف قائلا: “هناك سوق واعدة للمنتجات والتقنيات الصينية مثل نظام الرى الذكى والآلات الزراعية الذكية فى مصر والبلدان الأخرى، خاصة الدول النامية فى القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط.”
ووفقا للدكتور هانى مهنا، حافظت الصين ومصر على تعاون زراعى وثيق لفترة طويلة، كما تحظى العديد من العلامات التجارية للآلات الزراعية الصينية، مثل لوفول، بشعبية كبيرة فى مصر. وفى إطار البناء المشترك لـ “الحزام والطريق”، تم إنشاء منصات عديدة لتعزيز التبادلات الزراعية والتعاون بين البلدين، مما جلب التكنولوجيات المتقدمة الصينية والمعدات الزراعية عالية الجودة إلى مصر والدول الأخرى.
وفى هذا السياق، أعرب هانى مهنا عن أمله فى أن يواصل كونه مروجا للتعاون الزراعى بين الصين والدول المشاركة فى بناء “الحزام والطريق”، مضيفا “آمل فى دعوة المزيد من الأصدقاء إلى الصين للتعرف على احتياجات الدول المختلفة وتضافر الجهود لتعزيز تطوير وتصنيع المعدات الزراعية، بما يحقق منافع متبادلة للجانبين”.
وجدير بالذكر أن مجال زراعة نخيل التمر أصبح مجالا مهما للتعاون العميق بين الصين والدول العربية. ففى عام 2019، توصلت الصين والإمارات العربية المتحدة إلى توافق تبرعت من خلاله الإمارات بـ100 ألف شجرة نخيل إلى الصين، وساعد إدخال شتلات نخيل التمر فى تنويع المحاصيل بالصين. وفى المقابل، ساعدت التكنولوجيات الصينية فى الارتقاء بنوعية وكفاءة صناعة التمر المحلية فى الإمارات وغيرها من الدول العربية.








