النمو الضعيف يعرقل جهود روما رغم توقعات صندوق النقد بتحسن طفيف 2026
تُظهر تقديرات صندوق النقد الدولي، أن الدين العام للحكومة الأمريكية يتجه إلى تجاوز مستويات الديون في كلٍّ من إيطاليا واليونان ، للمرة الأولى هذا القرن، في مؤشر على الوضع المالي الحرج للولايات المتحدة.
تشير توقعات الصندوق إلى أن إجمالي الدين العام للحكومة الأمريكية سيرتفع بأكثر من 20 نقطة مئوية ليصل إلى 143.4% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العقد الحالي، متجاوزاً الأرقام القياسية السابقة التي سُجلت عقب جائحة كورونا.
ويقدر الصندوق أن العجز في الموازنة الأمريكية سيبقى فوق مستوى 7% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً حتى عام 2030، وهو الأعلى بين جميع الدول الغنية التي يرصدها الصندوق لهذا العام وبقية العقد.
لطالما كانت إيطاليا واليونان محور تحذيرات الاقتصاديين بسبب هشاشة أوضاعهما المالية العامة، إذ شكل البلدان مركز أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو بين عامي 2010 و2012، ما استدعى تدخلاً من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي لإنقاذ اليونان وإعادة هيكلة ديونها.
لكن من المتوقع أن تسجل ديون الحكومتين الإيطالية واليونانية مساراً هبوطياً بحلول نهاية العقد، بفضل إحكام السيطرة على عجز الموازنات العامة، بحسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
في المقابل، تُظهر بيانات صندوق النقد الدولي الصادرة في أكتوبر الجاري أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي في الولايات المتحدة ستواصل الارتفاع حتى عام 2030، بينما تتوقع مكتب الميزانية في الكونجرس استمرار هذا الاتجاه التصاعدي لعقود مقبلة.
بهذا الصدد، قال محمود برهان، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في “أموندي إنفستمنت إنستيتيوت”، إن “الأمر رمزي، فبحسب توقعات مكتب الميزانية في الكونجرس، سيواصل الدين الأمريكي الارتفاع نتيجة العجز المستمر في الموازنة”.
وأضاف: “لكن إيطاليا تواجه آفاق نمو أضعف من الولايات المتحدة، لذا لا يمكن اعتبارها بمنأى عن الخطر”.
بوصفها صاحبة العملة الاحتياطية العالمية، تمتلك الولايات المتحدة قدرة اقتراض أكبر بكثير من نظيراتها الأوروبية.
غير أن الخبير الاقتصادي الأمريكي في بنك “آي إن جي” جيمس نايتلي قال إن “كثيراً من الساسة والمستثمرين الأمريكيين ينظرون بازدراء إلى أوروبا بسبب ضعف نموها واقتصاداتها المتعثرة، لكن عندما تظهر مؤشرات مثل هذه، يتغير مسار النقاش”.
وقد توسع العجز الفيدرالي الأمريكي سريعاً في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، رغم بقاء معدلات البطالة عند مستويات منخفضة تاريخياً.
وتُظهر توقعات صندوق النقد الدولي أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لم تبذل جهوداً كافية لمعالجة المشكلة.
وقال جو لافورنيا، المستشار الاقتصادي لوزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، هذا الشهر، إن إدارة ترامب أحرزت تقدماً في خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات من خلال الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية.
وأضاف في تصريحات لصحيفة “فاينانشيال تايمز”: “ما لا يدركه الناس هو أن معظم التحسن في عجز الموازنة لهذا العام بدأ من أبريل فصاعداً”.
ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، ظل الدين العام الإجمالي للحكومة الأمريكية أدنى من مستويي إيطاليا واليونان منذ مطلع الألفية، ويُعد هذا المؤشر مقياساً واسعاً يشمل ديون الحكومات المركزية والمحلية.
أما المقياس البديل، وهو الدين الصافي للحكومة الذي يُخصم منه الأصول المالية، فيُظهر أن الولايات المتحدة ستظل أقل بنحو 10 نقاط مئوية من مستوى مديونية إيطاليا بنهاية العقد.
وقال جو جانيون من مركز الأبحاث “بيترسون إنستيتيوت” إن هذا المقياس الأخير يعكس بشكل أفضل عبء الدين الأمريكي، لأنه يُظهر الجزء الذي يتعين على المستثمرين الاحتفاظ به، مضيفاً: “لكن حتى هذا المقياس الصافي آخذ في الارتفاع أيضاً”.
في المقابل، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تبدأ ديون إيطاليا الصافية في التراجع اعتباراً من عام 2028، في حين لم يقدم تقديرات مماثلة لليونان.
ظلت إيطاليا تكافح منذ سنوات لخفض ديونها بسبب ضعف معدلات نمو الناتج المحلي، إذ يتوقع الصندوق نمواً لا يتجاوز %0.5 هذا العام و%0.8 في عام 2026.
مع ذلك، حظيت حكومة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بإشادة من المستثمرين الأجانب على جهودها في تقليص العجز المالي، إذ من المنتظر أن تُنهي إيطاليا هذا العام بفائض أولي يبلغ 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بالتوقعات الأولية البالغة 0.5%.
كما تتوقع روما أن يبلغ العجز المالي 3% من الناتج المحلي هذا العام، بعدما كان 8.1% في عام 2022، وهو العام الذي تولت فيه ميلوني السلطة، ما سيسمح لها بالخروج من إجراءات العجز المفرط في الاتحاد الأوروبي قبل عام من الموعد المحدد.
وقال فيليبو تادي، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك “جولدمان ساكس”: “هناك نهج حذر ومستمر في السياسة المالية”.
هذا الشهر، رفعت وكالة “دي بي آر إس مورنينج ستار” التصنيف الائتماني السيادي لإيطاليا من “BBB مرتفع” إلى “A منخفض”، مشيرة إلى أن الجهود الإيطالية لتعزيز أوضاعها المالية تحظى بدعم من حصولها على أكثر من 200 مليار يورو من أموال برنامج التعافي الأوروبي بعد الجائحة.
وقال كارلو كابوانو، نائب رئيس قسم التصنيف السيادي في وكالة “سكوب ريتينجز”، إن إيطاليا استفادت أيضاً من تحسن سوق العمل وزيادة إيرادات الضرائب، مدفوعة جزئياً بتوسع استخدام المدفوعات الرقمية.
في المقابل، قال جانيون إن الانقسام السياسي في الولايات المتحدة يُصعب تخيل أي تقليص حقيقي للعجز المتزايد، بغض النظر عن الحزب الحاكم.
وأضاف أن “الديمقراطيين لا يريدون خفض الإنفاق، والجمهوريين لا يريدون زيادة الضرائب، وكلاهما متمسك بموقفه. لا أعلم متى سيتغير هذا الواقع”.
وقال موري أوبستفيلد، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي وأستاذ الاقتصاد في جامعة بيركلي، إن أي توقع بأن الوضع المالي الأمريكي مستدام “يستند إلى تفاؤل مفرط بشأن نمو الإنتاجية والإيرادات الجمركية والديموغرافيا أو أسعار الفائدة في المستقبل، وربما جميعها معاً”.








