يشهد التمويل المناخي تباطؤاً واضحاً مع تفكك التحالفات العالمية الهادفة إلى تحقيق الحياد الصفري.
ففي مطلع العام الحالي، أقر دوغلاس فلينت، الرئيس المنتهية ولايته لشركة إدارة الأصول البريطانية “أبردين”، بأن القطاع المالي ارتكب “خطأً كبيراً” حين حول التزامه المناخي إلى أداة تسويقية قائلاً: “قلنا للناس إننا ننقذ العالم”.
وقد بلغت موجة الحماسة المناخية ذروتها خلال قمة المناخ “كوب 26” في غلاسكو عام 2021، حين أعلن مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا السابق، أن أصولاً مالية بقيمة 130 تريليون دولار انضمت إلى “تحالف غلاسكو المالي للحياد الصفري”.
لكن قبيل قمة “كوب 26” في البرازيل، تغير المزاج جذرياً مع انهيار تحالفات القطاع المالي، بحسب ما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
فقد صوت “تحالف المصارف للحياد الصفري” الشهر الماضي على وقف أنشطته بعد انسحاب بنوك أمريكية وبريطانية كبرى، بينما جمد تحالف مديري الأصول نشاطه في يناير بعد موجة انسحابات مماثلة، وتفكك تحالف شركات التأمين في عام 2024.
ويُعزى ذلك إلى ضغوط سياسية من مسؤولين جمهوريين في الولايات المتحدة اتهموا هذه الكيانات بانتهاك واجباتها الائتمانية وقوانين مكافحة الاحتكار.
كما سحبت بعض الولايات تعاملاتها مع مؤسسات مالية مشاركة، منها “بلاك روك” التي أدى انسحابها إلى تعليق مبادرة مديري الأصول.
تزامن ذلك مع استمرار إنتاج الوقود الأحفوري عالمياً خلافاً للتوقعات، ما دفع المصارف الكبرى إلى زيادة تمويلها للقطاع بمقدار 162.5 مليار دولار العام الماضي ليصل إلى 869 ملياراً، عاكساً تراجعاً استمر عامين.
في المقابل، تواصل صناديق التقاعد والمستثمرون طويلو الأجل المعروفون باسم “مالكي الأصول” التزامهم المناخي، فـ”تحالف مالكي الأصول للحياد الصفري” فقد عضوين فقط خلال عام، فيما تؤكد لورا هيليس من “صندوق معاشات إنجلترا” أن آثار التغير المناخي المتصاعدة عام 2025 “ينبغي أن تدق ناقوس الخطر أكثر من أي وقت مضى”.
في أوروبا، تبنت صناديق التقاعد نهجاً أكثر صرامة تجاه مديري الأصول، إذ حذر 26 صندوقاً تدير 1.5 تريليون دولار في فبراير مديريهم من احتمال سحب الاستثمارات إن لم يتعاملوا بجدية مع مخاطر المناخ، وتبعتهم صناديق بريطانية وهولندية بسحب تفويضات بمليارات الدولارات من شركات أمريكية.
هذا الانقسام بين أوروبا والولايات المتحدة يتعمق، إذ يدعم الأوروبيون مقترحات المساهمين البيئية بدرجة تفوق نظراءهم الأمريكيين.
يأتي ذلك بينما يواجه المستثمرون مخاطر مالية متزايدة بفعل آثار المناخ، إذ حذرت كارين سميث إيهيناكو من “صندوق الثروة السيادي النرويجي” من “خسائر محتملة على مستوى المحافظ الاستثمارية”.
في الوقت نفسه، تسعى شركات لإغتنام الفرصة، مثل “ريزولوشن إنفستورز” البريطانية التي تأسست هذا العام للاستثمار في شركات تجمع بين القوة المالية والمصداقية البيئية.
ويرى المؤسس المشارك ديفيد لوويش أن هذه المقاربة تختلف عن موجة “الاستثمار الأخضر” التي رافقت عام 2021 وسط “نشوة” تحول الطاقة دون مراعاة جودة الأعمال.
ومع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ازدادت الضغوط على الطاقة المتجددة بعد تقليص الإعفاءات الضريبية ووصفه القطاع بأنه “مزحة”.
مع ذلك، انتعشت أسهم الطاقة النظيفة الأمريكية هذا العام، إذ ارتفع مؤشر “ناسداك كلين إيدج” للطاقة الخضراء أكثر من %30 منذ بداية يناير، مدفوعاً بإقبال شركات التكنولوجيا على الطاقة المتجددة لتغذية مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد دانيال فايس من “أنجيلينو جروب” أن التحول الأخضر أصبح مدفوعاً أكثر بالاقتصاد والسوق لا بالسياسة، مضيفاً أن “السوق مليء بفرص مثيرة رغم اضطرابه”.








