بقلم: أندرى نيكراسوف
من الطبيعى أن تختلف عناوين الأخبار من دولة لأخرى، ولكن من الأهمية للعالم الغربى أن يعرف أن سوريا لم تكن من بين أهم عناصر الأخبار فى روسيا، وإذا كان هناك حدث مستحيل تجاهله مثل مذبحة التريمسة يوم 12 يوليو، فإن روسيا تقدم هذا الخبر فى أخبارها على أن المسلحين السوريين قتلوا أكبر عدد ممكن من الأفراد.
وظهر التقرير عن المذبحة فى التليفزيون فى وقت ذروة المشاهدة، وأعدته مراسلة شابة وجذابة تدعى أناستاسيا بوبوفا، وقدمت دليلاً على أن المتمردين قتلوا أبرياء فى «التريمسة» بينما ادّعت أن معظم الذين قتلوا على يد الجيش من المقاتلين والمنشقين المسلحين، كما جاء كذبا فى التقرير أن سلطات الأمم المتحدة تعيق عمل طاقمها.
وتساند الحكومة الروسية بشار الأسد بشدة، وكما كان معتادا فى عهد السوفييت، فهى تستخدم الإعلام الذى تسيطر عليه بدون خجل لتبرر سياساتها، ومع ذلك فإن تحكم فلاديمير بوتين فى المعلومات غير مطلق لأن الانترنت أصبح حرا إلى حد كبير، ولكن بوتين لا يحتاج إلى فرض سيطرته على الرأى العام فى سوريا.
معظم الشعب فى روسيا يرى القتال الدائر هناك أنه حرب بالوكالة بين دولتهم والغرب، بينما لا تأخذ الازمة الانسانية إلا قليلا من الانتباه، فدبلوماسيتهم تعتمد على التركيز على التقارير المتكررة والمفصلة.
وما نسمعه فى التقارير عن سوريا فى الغالب هو مبادرة وزير الخارجية سيرجى لافروف “المناضلة من أجل السلام” وحملة روسيا لدى الأمم المتحدة ضد “القوى الغربية العنيفة العازمة على استخدام القوة”.
وتشجع الحكومة سيناريو الحرب بالوكالة، لأن لديها مصلحة كبيرة فى تصوير نفسها كالمدافع عن الوضع السياسى الجغرافى لأمة ضد التوسع العالمى الغربى.
ورغم أن الكثير من سياسات بوتين الأخرى تقع بشكل متزايد تحت ضغط، فإن معظم الروس يشاركونه وجهة نظر رغبة الغرب فى تقسيم العالم، وحتى التقارير “الموضوعية” للإعلام المستقل على الانترنت تميل إلى تقديم وجهة نظر الأسد باعتبارها شرعية، ودون أى ضغط مباشر من الحكومة.
وعندما يتعلق الأمر بتقديم تقارير عن القضايا السياسية المحلية مثل معالجة الحكومة للكوارث الطبيعية أو حرية التجمهر، تكون نفس وسائل الإعلام أقل صبرا مع تفسير الحكومة للأحداث، ولكن حينما يتعلق الأمر بسوريا فإن الجغرافيا السياسية يكون لها الأولوية على الموضوعية.
ويتعجب العديد خارج روسيا من هذا العناد فى ظل الانهيار الوشيك والحتمى للأسد، ولكن هذه القومية الجيوسياسية لها جذور ثقافية، وبالطبع بوتين نفسه هو نتاج هذه الثقافة وليس مجرد لاعب بها، ولنكن واضحين فهو ليس سيد هذه الاستراتيجية ولكنه يستخدمها للحفاظ على بقائه فى السلطة.
ومنذ أسبوعين جاء عبدالباسط سيدا، رئيس المجلس الوطنى السورى الذى يصف حركته على أنها ثورة، إلى موسكو لحث المسئولين على التوقف عن مساندة النظام فى سوريا، ولكنه كان عن دون قصد يسلط الضوء على نفس سبب دعم بوتين للنظام، فقد كان «سيدا» يرغب فى إلهام القادة الروس بنسخة من الديمقراطية والعدالة اللتين ساعدتا على إنهاء الحرب الباردة، ولكن بدلا من ذلك، أخذ القادة يتخيلون كيف يمكن أن ينتهى بهم الحال فى موقف الأسد.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز






