يتخوف العاملون بالقطاع العام من إقرار الدستور الجديد، الذى جرت أمس الجولة الثانية والأخيرة من الاستفتاء عليه، فى ضوء احتوائه على المادة 18 التى لا تجيز التصرف فى أملاك الدولة أو منح امتياز باستغلالها أو التزام مرفق عام إلا بناء على قانون، وأن كل مال لا مالك له فهو ملك الدولة، ما اعتبره خبراء تمهيداً لإصدار قانون للخصخصة يحميها من الطعن عليها أمام القضاء الإدارى بإعتبار بيع الشركات قراراً إدارياً صادراً من الحكومة.
كما طالب العاملون بشركات القطاع العام بتطوير وتحديث المصانع، فى حالة تطبيق المادة 14 التى تنص على ربط العمل بالإنتاج، ورأوا أن تطبيق هذه المادة فى ظل الوضع الحالى الصعب للشركات ليس عادلاً.
وقال حمدى الفخرانى، عضو مجلس الشعب المنحل، إن المادة 18 فى الدستور التى تجيز التصرف فى أملاك الدولة أو منح امتياز باستغلالها أو التزام مرفق عام بناء على قانون، أن هذه المادة تتيح الحق للخصخصة والقضاء على القطاع العام.
وأضاف أن الموافقة على الدستور ستمنع أى وسيلة لمحاربة الخصخصة لأنها ستكون وفقا للدستور وليست وفقا لقانون، لأن بعض القوانين يتم الطعن على عدم دستوريتها ولكن فى هذه الحالة فلن يكون أمامنا طريق لمواجهتها.
وأوضح أن الدستور ينطوى على قنابل موقوتة ومنها المادة رقم 14 التى تنص على ربط الأجر بالإنتاج وضمان حد أدنى للأجور يكفل حياة كريمة وحد أقصى فى أجهزة الدولة لا يستثنى منه إلا بناء على قانون، لأن هذه المادة ربطت الأجر بالإنتاج وليس بارتفاع الأسعار، خاصة أن اغلبية شركات القطاع العام تحقق خسائر، وبالتالى فإن عمالها المتضرر الأول فى هذه الظروف، بما يعنى أنها مادة قد تهدد السلم الاجتماعي.
وتساءل عضو مجلس الشعب المنحل عما إذا كان سيتم خصم مرتبات العاملين فى نهاية كل شهر بسبب خسائر الشركة، كما انه من الطبيعى أن يتم إلغاء العلاوة السنوية التى تنتظرها غالبية العمال.
من جهته، وصف محمد زعبل، رئيس اللجنة النقابية بشركة غزل المحلة، المادة 14 بأنها «مادة سوداء بالنسبة للعمال» لأن شركة غزل المحلة والشركات المجاورة لها تعانى من انخفاض الإنتاجية وبالتالى ستعود بالضرر على العاملين، الذين لن يتمكنوا من الحصول على أجور تواجه معدلات التضخم المتصاعدة.
وقال إن الدولة لابد أن توفر الحد الأدنى لكل المواطنين لا يقل عن 1200 جنيه، حتى يتمكنوا من توفير متطلبات الحياة الضرورية فقط ولا يتم ربط الأجر بالإنتاج.
وأشار إلى أن جميع العاملين بشركة غزل المحلة صوتوا فى الاستفتاء على مسودة الدستور بالرفض، إلا أنه إذا وافق أغلبية الشعب على هذا الدستور فسيهدر مستقبل العمال.
وأوضح رئيس اللجنة النقابية بشركة غزل المحلة أن العمال يرفضون المادة 18 أيضا التى تبيح الخصخصة لأنها تساعد على تسريح العمال وخروج بعضهم معاش مبكر، مثلما حدث فى الشركات التى تعرضت للخصخصة سابقا.
وقال إن العمال يريدون أن يتيح الدستور الجديد للبلاد سن قوانين تلزم الدولة بإعادة هيكلة شركات القطاع العام وتطويرها وليس بيعها وخصخصتها، خاصة أن العمال تقدموا بمقترحات كثيرة لتطوير الشركات ولا يلتفت إليها.
وأكد أنه لم يفتح باب الحوار حول هاتين المادتين ومحاولة طمأنة العاملين بالشركات على مستقبلهم ويجب تقديم الحكومة ضمانات لهؤلاء العمال.
وقال السعيد محمد محمود، عامل بشركة غزل المحلة، إن المادة رقم 14 من الدستور مرفوضة تماما لدى العاملين بالشركة لأنهم لا ذنب لهم فى الخسائر التى تتعرض لها الشركة، فهم يؤدون عملهم بكل ضمير ولكن تعوقهم الظروف الاقتصادية والأمنية التى تمر بها البلاد، وغياب الرؤية السياسية والاقتصادية.
وأضاف أن العمال على استعداد لقبول المادة الخاصة بربط الأجر بالإنتاج ولكن بشرط أن يتم تثبيت الأسعار لحين استقرار البلاد وتطوير الشركات ومساعدتها على تكثيف إنتاجها لتستطيع النهوض بالقطاع العام ككل وبعد ذلك يتم تطبيق هذه المادة ورفع الأسعار.
ورفض ياسر نعمة الله رئيس اللجنة النقابية بالشركة القابضة للغزل والنسيج التعليق على المادتين المتعلقتين بأجور العمال وجواز خصخصة الشركات والأصول، وقال إن الشركة القابضة لا تنوى تصعيد مطالب العاملين بالشركات التابعة لها فى محاولة التوسط وتهدئة العمال.
وأكد حمدى عبد القادر، عضو اللجنة النقابية بشركة وولتكس، أن هاتين المادتين تنطويان على عوار واضح، خاصة ان دستور 1971 نص على اجتماع لجان لربط الأجر بالاسعار وليس بالإنتاج.
وشدد عبد القادر على عدم إمكانية ربط أجور العاملين بالانتاج، فى ضوء تهالك المعدات وعدم ضخ سيولة جديدة لتحديثها منذ أكثر من 40 و50 عاماً، وبالتالى فعلى الدولة أولا تحديث الماكينات وتطوير آليات العمل بشركات القطاع العام وبعد ذلك محاسبة العاملين، خاصة أن بعض الشركات تعانى أيضا من نقص محصول القطن، وعلى الدولة أن توفر للعاملين بالقطاع العام الحد الأدنى من الأجور لتوفير الحياة الكريمة كما قالوا وليس بحسب الإنتاج.
وقال عضو اللجنة النقابية بشركة «وولتكس» إن مشروع الدستور أهدر حقوق العمال بالكامل بداية من المادة رقم 14 التى تربط الأجور بالانتاج،والمادة 18 التى تبيح خصخصة شركات القطاع العام وتسريح العمال بالإضافة إلى حقهم فى التأمين الصحى، فقد نصت المادة على حق غير القادرين فقط فى العلاج المجانى بالتأمين الصحى، وهو ما يتطلب من العمال إثبات أنهم غير قادرين على العلاج.
وأوضح أن أكثر ما يؤلم العمال أن وزير القوى العاملة كان أحد أعضاء اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، ووافق على هذه المواد دون مراعاة حقوق العاملين، إضافة إلى حق العمال والفلاحين فى الترشح بنسبة 50% خلال البرلمان القادم فقط، دون تعريف العامل فى هذا المادة، مما يعمل ويتقاضى أجر مقابل عمله فمعنى هذه أن من حق الاستاذ الجامعى الترشح كعامل بمجلس الشعب.
وأضاف من ضمن عيوب هذه الدستور هو حق التأميم إذا رأت الدولة أنه للصالح العام وبحكم قضائى، فبذلك لن يسعى أى مستثمر أن يقيم مشروعات فى مصر، ما يهدد البلاد بخسارة استثمارات ضخمة.
وقال ناجى رشاد، عضو مجلس إدارة اتحاد عمال مصر، إن ربط الأجر بالإنتاج وليس بأسعار السلع يحمل عجز الموازنة على العمال، وفى هذه الحالة سيكون من حق الحكومة عدم صرف العمال العلاوه السنوية من 10 إلى 20% كما ينص الدستور.
وأشار إلى أن من مخاطر هذه المادة أنها تعطى الحكومة الحق فى تحديد كمية الإنتاج وبالتالى تتحكم فى أجور العمال.
وقال إن المادة 18 تقنن الخصخصة مره أخرى فى مصر ولا يمكن السماح بإعادتها مرة ثانية نظرا للسلبيات الكثيرة التى حدثت فى الماضى بسببها.
أما المحامى وائل حمدى، الناشط وأحد مقيمى دعاوى استرداد شركات الخصخصة، أنه فيما يتعلق بربط الأجر بالإنتاج فهو قرار غير قابل للتنفيذ لأنه لا يتم التعامل مع الأمور الاقتصادية بهذه الكلمات الناعمة والعائمة، فالحقوق الاجتماعية والاقتصادية التى جاءت فى الدستور انطوت على عبارات عامة لم تنزل إلى أرض الواقع، ولا تحقق للمواطن المصرى أن يحظى بحياة كريمة، ففى حالة إعلان المؤسسات ميزانيات خاسرة ويتم ربط الأجر بالإنتاج فلن تتحقق أى عدالة اجتماعية لأن هناك العديد من القطاعات التى تحقق خسائر مقارنة بقطاعات أخرى حقق ارباحاً مستمرة كالبترول، فلا ذنب للعامل فى انتمائه لشركة خاسرة كما هو الحال فى الغزل والنسيج وشركة رابحة كالبترول.
وأضاف أنه إذا تم تطبيق هذه المادة وفقا للحالة الفردية للإنتاج دون النظر إلى ما تحققه الشركة من أرباح أو خسائر، سيعد ذلك تحفيزا للعامل ودعماً للمنتج والتطبيق الحقيقى لسياسة الثواب والعقاب ولابد من ربط آلية الأجور بالأسعار والإنتاج.
وفيما يتعلق بسياسة الخصخصة، أوضح حمدى أن الخطأ يكمن فى سياسة إدارة الخصخصة وليس الخصخصة ذاتها، خاصة أنه ليست هناك إرادة سياسية لإحلال مؤسسات إنتاجية صناعية خدمية محل ما يتم بيعه تحت مسمى الخصخصة، بالإضافة إلى سوء الإدارة، حيث تندفع الإرادة السياسة نحو تحويل الشركات الموروثة منذ عهد جمال عبد الناصر من شركات القطاع العام والمصانع والخدمات والمرافق بالعمد إلى شركات خاسرة، حتى يتم الترويج على انها شركات خاسرة ويتم التصرف فيها بالبيع على هذا الأساس.
كتب – أسماء الشنوانى وولاء جمال
