ما أحوجنا فى هذه اللحظة إلى وضع الإعلام الحكومى المصرى على منضدة الفحص الشامل، بعد أن كاد يكون الملمح غير الثورى بامتياز فى زمن الثورات الجامحة.
ستون عاما تقريبا والإعلام الحكومى رهين ثنائية سيادة اللواء وسيادة الولاء، فيما خرجت معايير مثل التنافسية والمهنية وقيم مثل الكفاءة من المعادلة بشكل كامل.
بعد ثورة الضباط فى يوليو ١٩٥٢ بدأت مرحلة إعلام سيادة اللواء حيث نشأت وزارة الإرشاد القومى بما لهذا الاسم من مدلولات قاتلة لمفهوم الإعلام كحق أصيل للمواطن يمارس فيه الاختيار والفهم والمناقشة ويمتلك حق النقض والنقد لما يقرأ ويسمع.
وبعد ثورة يناير ٢٠١١ التى هتفت ضد حكم العسكر استمرت منظومة الإعلام الحكومية أسيرة اللواء والولاء، وكأنها غير مسموح لها بالتحرر من سجن الإرشاد والتوجيه.. وعلى الرغم من صعود رئيس قادم من تنظيم سياسى على عداء لزمن الستينيات إلا أن نظامه بقى وفيا لتلك الحقبة فيما يتعلق بمرفق الإعلام الحكومى، فاستمرت معايير الاختيار كما هى فيما يخص منصب وزير الإعلام أو رؤساء تحرير الصحف الحكومية.
والمفارقة أنه بعد ثورة وضعت ضمن مبادئها الستة هدف «القضاء على الإقطاع» وثورة ثانية تغنى للحرية، بقى الإعلام الحكومى يدار بفكر إقطاعى بامتياز، توزع فيه الصحف والقنوات بالمنطق ذاته الذى كانت تمنح فيه الأبعاديات فى أزمنة الإقطاع، وبالطبع ثنائى اللواء والولاء هو سيد الموقف.
والآن يجد الإعلام المصرى كله، بشقيه الحكومى والمستقل، نفسه فى دائرة الخطر، على وقع التحرشات العنيفة التى بدأت منذ إعلان تشكيل الحكومة الجديدة فما بين إيقاف قنوات ومحاكمة صحفيين وصولا إلى نظرة السيد وزير العدل الجديد للإعلام كله باعتباره مستودع الشرور حين قال إن حلم الجماعة الصحفية بإلغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر لايزال بعيد المنال وأن الصحافة فى رأيه كاذبة ويحكمها الهوى.
وفى هذه الأيام يدور الحديث عن إنشاء مجلس أعلى للإعلام نتمنى أن يكون ممثلا للأسرة الإعلامية بحق وليس مجرد تغيير فى اللافتات باستبدال مسمى مجلس الإعلام بوزارة الإعلام التى يقول كل وزير تولاها بعد الثورة إنه آخر وزير إعلام فى مصر، غير أن الحقائق على الأرض تقول غير ذلك.
ولعل هذا ما يجعل فتح ملف الإعلام الحكومى فى هذه الظروف العصيبة أمرا ضروريا، بل وواجبا، ومن هنا تأتى أهمية هذه الجلسة وما يدور فيها من استعراض تجارب ناجحة لمعالجة أوجاع الإعلام الحكومى والتعرض لهموم وإشكاليات هذا الصنف من الإعلام الذى لا يزال يحاصرنا فى مصر، بعد أن كاد ينقرض من العالم الجديد كله، باستثناءات شديدة المحدودية.
(ألقيت هذه الكلمة فى جلسة نقاش عن مستقبل الإعلام الحكومى فى افتتاح النادى الإعلامى بالمعهد الدنماركى المصرى للحوار بالقاهرة أمس).
بقلم : وائل قنديل – الشروق






