تتجه وزارة البترول لاستيراد الغاز الطبيعى من الخارج لتلبية الاحتياجات المحلية خاصة بعد النقص الذى تعرضت له محطات توليد الكهرباء، التى تعمل بالغاز والذى تسبب فى انقطاع التيار الكهربى، وهو ما أثار التساؤلات حول امكانية استيراد الغاز وقدرة البنية اللوجستية من موانئ وشبكات نقل على استيعاب هذا الغاز المستورد، بالإضافة إلى التكلفة المتوقعة لها.
قال محمد سيد حنفى، المدير التنفيذى لغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، إن قرار استيراد الغاز الطبيعى من الخارج يستلزم معه اعداد دراسات وافية من الجهات الحكومية ووزارة البترول، لبحث مدى قدرة الموانئ على استقبال الغاز فى صورته السائلة، وتحويله لصورته الغازية.
وأضاف أن اصدار هذا القرار يستلزم معه الإجابة عن مجموعة من التساؤلات، وهي، ما أوجه استخدامات الطاقة المستوردة من الخارج؟ وهل سيتم حرقها لتوليد الطاقة فى المصانع كثيفة الاستهلاك، أم ستستخدم فى محطات الكهرباء؟
وأوضح حنفى أنه بناء على الإجابة عن تلك التساؤلات سيتم تحديد كميات الغاز المستوردة من الخارج لسد احتياجات السوق المحلي، مشيرا إلى أن المشكلة الرئيسية تكمن فى ضعف تجهيزات موانئ البحر الأحمر والبحر الابيض المتوسط من الوحدات والخزانات المستخدمة فى تحويل الغاز من صورته السائلة لصورة الغاز، كما أن تلك الموانئ غير مربوطة بالشبكة القومية للغاز، التى يتم نقل الغاز من خلالها للمصانع.
وأكد أنه من الأفضل استخدام هذا الغاز كمادة خام أولية فى مصانع الأسمنت والحديد الاسفنجي، وعدم احراقه لتشغيل ماكينات المصانع، مقترحا أن يتم استيراد الفحم الخام من الخارج واستخدامه فى توليد الطاقة فى محطات الكهرباء كبديل للغاز، خاصة أن محطات الكهرباء تستهلك 60% من الغاز الطبيعي.
ولفت إلى أن ارتفاع اسعار الغاز المستورد من الخارج بنحو 5 قروش لكل مليون وحدة حرارية سيترتب عليه ارتفاع التكلفة النهائية لمنتجات المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة المستوردة من الخارج، موضحا أنه من الممكن أن يواجه السوق مشكلة سعرين للحديد والسيراميك والأسمدة والأسمنت، وفارق السعر حسب نوعيه الغاز المستورد من الخارج والمستخدم محليا.
وفى هذا السياق، أوضح فاروق مصطفي، العضو المنتدب لشركة مصر – بنى سويف للأسمنت، أن مصر غير مهيأة لاستقبال الغاز الطبيعى من الخارج، خاصة أنه لا يوجد خزانات أو أنابيب تساعد على تحويل الغاز المستورد من الخارج سواء كان من روسيا أو قطر باعتبارهما من أكبر الدول المصدرة للغاز عالميا.
وقال إن عملية استقبال الغاز فى الخزانات الحالية عملية عقيمة ستتسبب فى اهدار كميات كبيرة، لذلك كان الله فى عون الصناع من المشكلات التى باتت تواجههم ولم يجدوا حلولا فعلية لها حتى من قبل الجهات الحكومية من توفير للطاقة و الغاز، لذلك من الضرورى اعداد دراسات وافية حول السوق المحلى ومدى قدرته على اقامة هذه الموانئ القادرة على استقبال الغاز الطبيعى المستورد.
“لماذا تصدر مصر الغاز للخارج بالرغم من أنها فى امس الحاجة إليه؟” هكذا بدأ رفيق الضو، العضو المنتدب لشركة السويس للصلب، عند تعرضه لمقترح وزارة البترول الخاص بالسماح للقطاع الخاص باستيراد الغاز الطبيعى المستخدم فى تشغيل المصانع.
وقال الضو إن السياسات التصديرية للغاز، التى تتبعها الحكومة حاليا بحاجة الى اعادة نظر، خاصة مع تصدير 25% من اجمالى انتاجنا من الغاز، والذى يصل إلى 50 مليار متر مكعب وفقا لبيانات وزارة البترول، للخارج، و60% من إجمالى الانتاج يذهب إلى توليد الطاقة بمحطات الكهرباء، ليصبح المتبقى من إجمالى انتاج الغاز نحو 15% وهى كمية غير كافية للمصانع كثيفة الاستهلاك بالسوق المحلي.
وطالب بضرورة اصدار تشريع حكومى يقضى بحظر تصدير الغاز إلى الخارج والاستفادة منه للمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة والقطاع الصناعى ككل.
وعلى النقيض، قال محمد فتحي، عضو شعبة الكيماويات المتنوعة، الرئيس السابق لشركة “اللؤلؤة” للزجاج، إن وزارة البترول بإمكانها أن تستورد الغاز الطبيعى من الخارج خاصة أنه لا يستلزم معه ان تكون الموانئ مجهزة، كما أنه من الممكن استيراده أيضا فى صورته النهائية.
وتساءل: ما المشكلة فى استيراد الغاز طالما اننا نقوم باستيراد البوتاجاز من الخارج؟ مؤكدا أنها عملية بسيطة، وأن ذلك فى صالح الصناعة الوطنية لأن الاستيراد سيسهم فى حل أزمة الطاقة التى باتت تؤرق القطاع الصناعى كله.
ورأى محمد الخشن، رئيس مجلس ادارة مصر للأسمدة، أن مصر غير مؤهلة لوجيستياً لاستيراد الغاز من الخارج، وأن تكلفه انشاء الميناء الواحد المؤهل لهذا الغرض تقدر بنحو 3 مليارات جنيه، ليكون قادراً على تحويل الغاز من صورته السائلة إلى الغازية، ومن ثم ربطه بالشبكة القومية للغاز الطبيعي.
وأكد أنه لا يوجد فى مصر كوادر مؤهلة للقيام بتشغيل المعامل المسئولة عن تحويل الغاز بل لابد فى حال إنشاء هذه الموانئ من الاستعانة بالخبرت الأجنبية، التى تسهم فى تيسير عملية استيراد الغاز من الخارج، وهو ما سيكلف الشركات المزيد من الأعباء المالية.
وفى السياق نفسه، قال د. إبراهيم زهران، الخبير الدولى فى البترول، عضو مجلس ادارة مجموعة “جيرسون ليرمان” للبترول، إن وزارة البترول بالتعاون مع المجلس الاعلى للطاقة كانا قد اعدت دراسة وافية حول امكانية انشاء محطات لتحويل الغاز من صورته السائلة لصورته الغازية، والتى تصل تكلفتها الى نحو مليار دولار جنيه، والتى يتم ربطها مباشرة بالشبكة القومية للبترول.
وأضاف أن الثورة ارجأت المضى قدما فى تلك الدراسات وتحويلها إلى أرض الواقع، ليتم من خلالها توفير الغاز بالسوق المحلي، مستبعدا أن يقوم القطاع الخاص باستيراد الغاز من الخارج لارتفاع تكاليف الاستيراد.
وأوضح السيد نجيدة، رئيس لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب المنحل، أن هناك بدائل لاستيراد الغاز من الخارج كالبحث عنه فى المياه العميقة، خاصة عقب لقاء رئيس الجمهورية د. محمد مرسي، ورئيس الوزراء د. هشام قنديل بروبرت دودلى المدير التنفيذى لشركة “بريتش بتروليم” الإنجليزية.
تم خلال اللقاء مناقشة المشروعات التى تنفذها الشركة فى مصر والاستثمارات الجديدة التى ستنفقها فى أعمال البحث والاستكشاف فى مناطق امتيازها، ومن أهمها مشروع البحث والتنقيب عن الغاز والبترول فى المياه العميقة بالبحر المتوسط شمال الإسكندرية باستثمارات حوالى 11 مليار دولار.
وأشار نجيدة إلى أن تلك المشروعات سواء كانت للقطاع العام او الخاص او استثمار داخلى وخارجى، من شأنها توفير الغاز بالسوق المحلى، وأن موانئ القطاع الخاص وخاصة بمنطقة الغردقة مهيأة لاستقبال الغاز الطبيعى من الخارج وقادرة على تحويله من صورته السائلة إلى الصورة الغازية، كما انها مرتبطة بالشبكة القومية للغاز، وهو ما ييسر عملية نقل الغاز الطبيعى للخارج.
يذكر أن مصر احتلت المركز الرابع بنسبة 12% من حجم استهلاك الغاز الطبيعى لدول منظمة «الأوبك»، فيما احتلت السعودية المركز الاول فى حجم استهلاك الغاز الطبيعى خلال العام الماضى 2011 بنسبة 25% من اجمالى استهلاك الدول العربية المصدرة للنفط “اوبك” بينما احتلت الإمارات المركز الثانى بنسبة 23.6%، ثم جاءت قطر فى المركز الثالث باستهلاك قدره 12.4%، وتستهلك البلدان الأربعة مجتمعة نحو 73.8% من إجمالى استهلاك الدول الأعضاء من الغاز الطبيعي.
كتبت – نهال منير






