بقلم: مايكل كوبلو
بعد قرابة ثلاث سنوات من العداء السياسي بين تركيا واسرائيل في اعقاب الغارة الإسرائيلية علي سفينة مرمرة التركية التي كانت تحمل علي متنها ناشطين دوليين كانوا يسعون إلي كسر الحصار علي غزة، اتفقت الدولتان مؤخرا علي استئناف العلاقات الدبلوماسية.
اعتذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، عن مقتل تسعة من المواطنين الأتراك علي ايدي القوات الإسرائيلية ووافق علي دفع تعويضات، وفي المقابل وافق اردوغان علي تطبيع العلاقات بين البلدين واسقاط الملاحقات القضائية ضد الضباط الإسرائيليين، وكانت قد طلبت تركيا سابقا أن تقوم إسرائيل، بالاضافة إلي الاعتذار ودفع تعويضات رفع الحصار عن غزة، وحتي يتغلب نتنياهو علي هذا الشرط الشائك أكد أن إسرائيل خففت مؤخرا من القيود المفروضة علي بضائع المدنيين القادمة إلي غزة ووافق علي أن يعمل مع تركيا علي تحسين الوضع الانساني هناك، وعلي الرغم من أن تفاصيل الترتيبات لم يتم الاتفاق عليها بعد، يبدو أن البلدين في طريقهما إلي استئناف التعاون بينهما في عدد من المجالات.
لقد كان واضحا منذ فترة أن إسرائيل علي استعداد لان تقدم اعتذارا لتركيا ولكن لم يكن واضحا ما اذا كانت تركيا ستقبله ام لا، والآن بعد انتهاء موسم الانتخابات في إسرائيل، لم يعد نتنياهو قلقا بعد حيال الانتقادات القومية بشأن اصلاح العلاقات مع تركيان كما أن الاستبعاد المؤقت لوزير الخارجية افيجدور ليبرمان من الحكومة أزال اكبر عقبة امام المصالحة من الجانب الإسرائيلي.
ولكن السياسة في تركيا قصة مختلفة، حيث إن القضية الفلسطينية جعلت إسرائيل لا تحظي بأي شعبية هناك، والخلاف كان سياسيا بالنسبة لاردوغان الذي كان قادرا علي تفجير تلك القضية في اي وقت يريد فيه رئيس الوزراء التركي صرف الانتباه عن اي قضية داخلية حساسة.
نظرا لتلك المزايا السياسية داخليا، كان لدي انقرة دوافع ليست بالقوية للتصالح مع إسرائيل حتي الان، الا أن تصالحهما يشير إلي أن تركيا قد ادركت اخيرا أن خسائرها ستفوق مكاسبها جراء تجاهلها لإسرائيل، يعود ذلك إلي حد كبير لامكانية استفادة تركيا من مساعدة إسرائيل في اكثر المعضلات السياسية الخارجية الحاحا الا وهي الحرب الاهلية السورية واهم القضايا الاقتصادية المقلقة وهي امن الطاقة.
تعد الازمة السورية صداعا مزمنا في رأس أنقرة، حيث عانت تركيا من خسائر كبيرة في التجارة، واجبرت علي قبول ما يقرب من نصف مليون لاجئ سوري، كما أن طلب انقره بتدخل حلف الناتو عن طريق فرض حظر جوي وعدم وصول الاسلحة الثقيلة إلي الثوار في سوريا تم تجاهله.
كل ذلك كان امرا مؤسفا بالنسبة لقادة تركيا، ولكن ما اربك حسابات أنقرة هو ظهور الاسلحة الكيماوية السورية في المعادلة مؤخرا، ما جعل الدولة تحتاج اكثر من اي وقت مضي إلي جهاز مخابرات وحلفاء افضل لوضع حد للحرب الاهلية أو علي الاقل لمنع امتدادها، وإسرائيل ببساطة لديها معلومات استخباراتية افضل بشأن تطورات المنطقة عن تركيا، وانقرة من الممكن أن تستغل هذه المساعدة في رصد مخازن اسلحة الأسد وتحركات القوات علي الجانبين.
ومن المجالات الاخري التي تحتاج فيها تركيا مساعدة إسرائيل الطاقة، فعجز الحساب الجاري لتركيا الذي وصل إلي 48.8 مليار دولار في 2012 يعود في الغالب إلي اعتمادها علي استيراد البترول والغاز الطبيعي، وفي الوقت ذاته، اكتشفت إسرائيل حقلين للغاز الطبيعي هما “تامار” و”لفياثان” قبالة سواحلها في شرق البحر المتوسط، وبما أن تركيا ليس لديها اي امل في تهدئة علاقتها مع قبرص التي تعد عدوها اللدود منذ فترة طويلة والمستفيد الرئيسي الآخر من طفرة الغاز في البحر المتوسط، فسوف تتحول تركيا إلي إسرائيل كمورد للغاز الطبيعي، ومع تباطؤ نمو الاقتصاد التركي واحتمالية كون إسرائيل شريكا لها جعل المصالحة اكثر جاذبية من اي وقت في السنوات الاخيرة.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فورين افيرز







