من السهل الترويج لأن اليابان لديها “ديون كثيرة عن اللازم” ولكنها فى المقابل لديها الكثير جدا من الأصول
يعد آبى أول سياسى يابانى يتحدث عن الحاجة الماسة للانتعاش الاقتصادي
بقلم: بيتر تاسكر
يشتد وطيس المعركة فى طوكيو بشأن صواب زيادة ضريبة الاستهلاك فى اليابان من عدمه، وهل يجب أن يأتى النمو الاقتصادى أولاً أم إعادة الهيكلة المالية؟، بينما ينبغى على رئيس الوزراء حسم أمره خلال أسابيع.
وكنت أناقش هذا الموضوع مع أحد البيروقراطيين اليابانيين ذوى الخبرة والاطلاع، فقال لى إنه من الضرورى زيادة الضرائب وإلا سوف يخسر المستثمرون الثقة وسوف ينهار سوق السندات.
وعندما سألته ألا تخافون المخاطرة بركود جديد، رد قائلا إنه قد يحدث ركود مؤقت وخاطف، ولكن تقوية الماليات العامة سوف تكون أفضل للنمو المستقبلي.
وفى عام 1997، كانت الأزمة الآسيوية فى أوجها، وكان النظام المصرفى فى اليابان على شفا الانهيار، ومع ذلك أقنع المسئولون رئيس الوزراء حينها، ريوتارو هاشيموتو، بأن رفع الضرائب على المستهلكين أولوية.
ونتيجة لهذه الواقعة، عانى الاقتصاد اليابانى من هاوية مالية كلفت الاقتصاد 10 تريليونات ين أى 128 مليار دولار، وفى غضون أشهر ظهر الانكماش وشهدت مبيعات التجزئة ركودا طويلا مازالت اليابان فى حاجة للخروج منه حتى الآن.
وبعد ذلك بقليل، أُجبر هاشيموتو على ترك منصبه، ويقال إنه ندم لاتباع تلك النصيحة حتى وفاته فى 2006.
وفشلت الزيادة فى الضريبة فى تحقيق أهدافها، وتراجعت إيرادات الدولة من الضرائب بنسبة تزيد على %20 على مدار الخمسة عشر اللاحقة، كما قفزت نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى من %40 فقط فى هذا الوقت إلى أكثر من %150.
وفى نفس الوقت، فإن سوق السندات اليابانى – البعيد كل البعد عن الانهيار – بدأ موجة صعودية اخذت عائدات السندات لاجل 10 سنوات إلى ما دون %0.8، وحتى رغم الفزع الذى شهدته الاسواق مؤخرا بسبب تلميحات الاحتياطى الفيدرالى بتخفيض شراء الاصول، فإن عائدات السندات اليابانية لم ترتفع عما كانت عليه منذ عام.
وللأسف، تجاهل الساسة اليابانيون الدروس المستفادة من هذه الكارثة السياسية، ونال شينزو آبي، رئيس الوزراء، دعم الحزبين الرئيسيين فى أبريل العام الماضى عندما تعهد بمضاعفة ضريبة الاستهلاك أثناء فترات الركود.
كما تحب الصحافة الشعبية وبعض المجلات التجارية المحترمة فى اليابان التهويل بشأن اتجاه الدولة نحو “الإفلاس”، وفى الواقع، تعتبر اليابان أكبر دولة مقرضة فى العالم.
ومن السهل الترويج لأن اليابان لديها “ديون كثيرة عن اللازم” ولكنها فى المقابل لديها الكثير جدا من الأصول، بمعنى آخر تعتبر ميزانية الدولة أكبر بكثير من النطاق الاقتصادى للدولة، والحل الأمثل للاقتصاد اليابانى هو فك الحزام وليس ربطه أى المزيد من الاستهلاك مقابل تقليل المدخرات، وبدلاً من زيادة الضرائب على الأسر المستهلكة، ينغى على الحكومة استهداف جبال النقدية غير الفاعلة فى ميزانيات الشركات ومطالبتهم بزيادة الأجور والأرباح الموزعة على المساهمين.
ويعد آبى أول سياسى يابانى يتحدث عن الحاجة الماسة للانتعاش الاقتصادي، وهذا كان السبب وراء فوزه فى الانتخابات فوزا كاسحا فى ديسمبر الماضى ووراء تحسن أداء البورصة لأقوى أداء فى 50 عاماً، لذا سيكون من المحزن له ولليابان ولآفاق التعافى العالمى إذا هو قرر السير فى نفس خطى هاشيموتو.
ولا أحد يعرف الخلطة المظبوطة والمطلوبة لقيادة الاقتصاد خارج 15 عاماً من الانكماش، ولكن بالتأكيد فإن احتمالية النجاح أعلى إذا اتحدت السياسة النقدية والسياسة الضريبية بدلاً من اتجاه كل واحدة منها فى اتجاه.
وينبغى على آبى أن يقرر فى سبتمبر هل يعلق الزيادات الضريبية لمدة ثلاث سنوات حتى يصل النمو فى الناتج المحلى الإجمالى للمستوى المستهدف عند %3، وهذا من شأنه أن يرسل رسالة واضحة وهى أن إنعاش الاقتصاد هو الأولوية القصوى.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز







