بقلم: دافيد جاردنر
يعد الهجوم بالأسلحة الكيماوية على الضواحى الشرقية لدمشق وحشياً بقدر هجوم صدام حسين على مدينة حلبجة بالغازات السامة فى 1988، وتتجاوز جرائم بشار الأسد تلك التى ارتكبها سلوبودان ميلوسيفيتش فى يوغسلافيا.
ونحن لا نعلم على وجه اليقين إذا كانت الحكومة هى من نفذت الهجوم الذى قتل أكثر من 1000 شخص معظمهم من الأطفال، والمنطق يوحى أنه من الجنون أن يقصف نظام بلدة متاخمة لعاصمته بأسلحة كيميائية خاصة مع وصول مفتشى الأسلحة الكيميائية التابعين للأمم المتحدة لدمشق.
وإذا تجاهلنا اتهامات المتمردين للقوات الموالية للنظام بهذه الجريمة باعتبارها اتهامات «غير منطقية»، فسوف نجد أن مسئولى النظام لم يفعلوا سوى تكرار مجادلاتهم التقليدية بشأن من المستفيد وهو الحديث الذى لطالما تكلموا به بعد كل عملية وحشية أو اغتيال خلال الأربعة عقود الماضية.
ويستغربون كيف يعقل أن يكونوا هم المسئولون، بينما لا يوجد غيرهم لإلقاء اللوم عليه، وعادة ما يكونون بالفعل وراء تلك العمليات، ولدى السوريين مثل تهكمى ما يلخص المسألة برمتها وهو «يقتلون القتيل ويمشون فى جنازته».
وإذا لم يكن النظام مسئولاً بالفعل عن هذا العمل الوحشى لكان يسابق مفتشى الأمم المتحدة إلى ضواحى الغوطة حيث تم القصف، حتى إن روسيا – الحليف المخلص للأسد – التى اعتبرت فى الأول أن المتمردين هم المسئولون عن الهجوم، تطالب دمشق الآن بالتعاون مع الأمم المتحدة، وبالطبع تدّعى سوريا أنها ترغب فى ذلك.
وتشير الأدلة الحالية إلى أن النظام مسئول عن تلك الهمجية، ومن المؤكد أنها استخدمت أسلحة كيماوية من قبل ولكن ليس على هذا النطاق، وقال شهود عيان أن الصواريخ كانت تطلق من منطقة تابعة للحكومة، كما أن الجيش السورى هو وحده من لديه القدرة على شن هجوم بهذه الكثافة.
ورغم ذلك، لا يزال الكثير من مراقبي الوضع فى سوريا فى حيرة حول سبب عدم قيام الأسد بذلك، خاصة أنه بعد شهور من المناوشات بدأ الجيش النظامى فى تحقيق انتصارات، فمنذ سقوط القصير فى يونيو الماضى وإعادة أسر حمص فى هجوم قاده حزب الله، حليف إيران، بدأت دمشق فى تحقيق انتصارات على الجيش الحر.
ويثبت الالتزام العلنى لإيران وحزب الله بجانب دروع روسيا الدبلوماسية فى مجلس الأمن أن أصدقاء الأسد يوفون بوعودهم أما هؤلاء من يطلق عليهم أصدقاء سوريا ليسوا أكثر من نمور ورقية هم ووعودهم الخاوية بتسليح المعارضة.
ولم يتغير شىء رغم أن سقوط القصير أطاح بالعوائق القليلة المتبقية فى هذا الصراع الذى تبين أنه طائفى تماما بين السنة والشيعة، ولا يزال النظام غير قادر على استعادة مساحات شاسعة من الأراضى فى الشمال والشرق والجنوب الشرقي، كما أن شرق الغوطة يمثل تهديدا كبيرا للعاصمة.
وفى نفس الوقت، تمتع بشار الأسد بالإفلات من العقاب، نظراً لأن خصومه الدوليين – وخاصة الولايات المتحدة – قد فقدوا مصداقيتهم.
وقد أفلت بشار بالفعل من استخدامه المتعمد للأسلحة الكيماوية وكل ما اعتبره الرئيس باراك أوباما خطاً أحمر، وقد أثبت بشار أنه مستعد لتدمير سوريا وإهلاك معظم شعبها لكى يحتفظ بحقه فى الحكم، وبعد ما حدث الأسبوع الماضى، سوف يشاهد العالم إذا لم يكن هناك حداً لما يمكن أن يقوم به بشار، وإذا لم يكن هناك حدود لبشار، لن يكون هناك حدود لأى ظالم فى مكان آخر سوف يقتدى به لعلمه أنه من الممكن الإفلات من العقاب الدولى.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز