مصر للجميع

بقلم: مايكل نذير

ستكون مصر دراسة حالة بعد انتخاب رئيس اسلامي، وقريباً سيتم انتخاب البرلمان بالأغلبية الاسلامية على الأرجح. ومصر ليست فقط هى البلد الاكثر عدداً للسكان فى الشرق الأوسط العربي، بل لديها أكبر عدد من المسيحيين فى المنطقة، لديها طبقة كبيرة من العلمانيين فى المدن، وما يحدث هناك سيكون له آثار على كثير من العالمين العربى والاسلامي.

والسؤال الذى يطرح نفسه هل ستكون مصر إيراناً أخرى حيث الأقليات ومغادرة المهنيين بأعداد كبيرة للخارج؟ أو هل سيكون لديها طريقة لتكون دولة اسلامية يمكنها أن تمنع مثل هذا النزوح؟

لابد أن نكون حذرين من لافتات ومستحضرات التجميل والمسكنات الكاذبة، فوعد محمد مرسى بوجود رئيس وزراء غير إسلامي، مع مسيحى وامرأة فى منصب نواب الرئيس، يستحق الترحيب، لكنه لم يقل شيئا عن أى نظام اسلامى حتى الآن، والذى سيكون له مكانه فى الحكم، انه لامر جيد ان كان لديه عقد اجتماع مبكر مع زعماء مسيحيين، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان المسلمون والمسيحيون سيكونون على قدم المساواة كمواطنين.

مفتاح الإجابة عن بعض هذه الأسئلة يكمن فى المكان الذى من المحتمل أن تحتله الشريعة فى مصر فى المستقبل. ولا ينبغى أن يكون هناك شك فى أنه سيكون لها دور بارز.

بالفعل، فى ظل النظام السابق، وبسبب ضغط الاسلاميين، تم تعديل الدستور من الاعتراف بأن الشريعة واحدة من مصادر التشريع لتصبح المصدر الوحيد لجميع القوانين. ومن الصعب تخيل أن حكومة إسلامية ستفعل شيئا أقل من ذلك، والسؤال هو ماذا سيكون مدى تنفيذ هذا الفهم للشريعة، وكيف يتم تفسير مفهومها وماذا سيكون آثارها على الأقليات.

فوجئ الكثير من المراقبين للأحداث فى مصر من قبل قوة الجماعات السلفية هناك، ولا تقبل هذه المجموعة بأقل من النظام السعودي، الذى يضع النساء وراء الحجاب، فضلا عن أوضاع التميز ضد أهل الذمة والعقوبات القاسية لاؤلئك الذين يشربون الكحول، واللباس «غير المحتشم» أو انتهاك ضوابط الجنس فى الإسلام.

هناك سيناريو آخر لكنه مختلف جداً، ولكن من الممكن أيضاً حدوثه. مصر لديها تاريخ طويل من العلماء المسلمين، التى تسعى إلى شرح الشريعة من حيث الظروف المعاصرة والاهتمام بتفسيرها حسب الصالح العام، منهم محمد عبده «عام 1905»، الذى يحظى بإجلال من قبل السلفيين والإخوان على حد سواء، وهو يدعو إلى تنقية الإسلام، ليتفق مع ظروف العالم المعاصر، فى سعى منه للتخلص من التفسيرات التقليدية للشريعة وأحكامها المتشددة.

وقد تم اتباع هذا التقليد فى الفكر فى مصر من قبل القادة المرموقين أمثال رشيد رضا والمفتى الحالي، الشيخ على جمعة،  عاش الغرب أسير فكرة قيادة العلمانيين «الربيع العربي» ولكن فى الواقع، لم يكن هناك قط مثل هذا الشيء، فالثورات، فى جميع أنحاء العالم العربي، قادها الاسلاميون بمختلف توجهاتهم، وانضم المعارضون العلمانيون من النظام القديم لجهود الإطاحة بالدكتاتورية ولكن الخيارات المتاحة أمامهم فى المستقبل تبدو محدودة.

ويجب الآن بذل كل جهد ممكن لتشجيع وجهة نظر الإسلام، وخاصة من الشريعة الإسلامية، والتى يمكن أن تقود مصر الأكثر انفتاحا وتسامحا. لأن ما تفعله مصر اليوم سيكون له صدى كبير على الصعيد العالمى غداً.

ومطلوب على وجه السرعة هو إعادة التأكيد على مبدأ أن يكون هناك قانون واحد لجميع المصريين يسعى لاستيعاب الضمائر والمعتقدات من العناصر المختلفة فى المجتمع.

يجب على الكنيسة الحذر من قبول الوضع الذى يٌسمح لها بقانونها الخاص، مقابل فرض الشريعة على المسلمين، هذا من شأنه أن يعود المسيحيون إلى كونها رعايا من الدرجة الثانية، وتقييد حرية التعبير وحرية التنقل بالنسبة للمسلمين، ولاسيما النساء، فإنه من الضرورى المساواة بين الجميع أمام القانون بوضوح والالتزام بالمواطنة المشتركة.

قد يكون من المهم وضع ما يشبه ورقة الحقوق المستحقة للجميع كخطوة أولي، ولا يمكن أن تكون القوات المسلحة الضامن الوحيد لمصر دولة الجميع، فالأحزاب السياسية، والمؤسسات الحكومية، والمنظمات الإسلامية بوجه خاص يجب أن تلتزم بهذه الرؤية.

اعداد: نهى مكرم

المصدر: وكالة بلومبرج