بقلم: داليبور روهاك
لا يرجع النجاح الساحق الذى حققه عبدالفتاح السيسى فى السباق الرئاسى فقط إلى شعبيته التى لا يمكن إنكارها بين بعض فئات الشعب المصري، وإنما إلى قمع الإعلام والمنافسة السياسية اللذين سبقا الانتخابات ، فبعد 30 يوليو، سُجن أكثر من 16000 شخص لجرائم تشمل انتقاد النظام العسكرى على تويتر.
وإذا كان انتصار السيسى يثير مخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية فى مصر، فهو أيضا يخلف مجموعة من المخاوف الملحة بشأن الاقتصاد، فالاقتصاد المصرى فى أسوأ حالاته منذ ما قبل أحداث الربيع العربي.
ووصلت نسبة البطالة فى الربع الأول من عام 214 إلى %13.4، مرتفعة بنسبة %0.2، مقارنة بنفس الفترة العام الماضي، ومقارنة بعام 2010، فإن عدد العاطلين نما من 2.4 مليون إلى 3.7 مليون، كما أن %26 من الشعب يعيشون دون خط الفقر المقدر بـ 1.5 دولار يوميا.
وحتى الآن، كان السيسى صامتا فى الغالب بشأن خططه للاقتصاد، ويراوغ بشأن الحاجة لإصلاحات ولا يتكلم بتوسع أبداً عن التفاصيل، وفى هذه الأثناء، أحكم الجيش قبضته بشكل أكبر على الاقتصاد، حيث يتم إرساء المزيد والمزيد من المناقصات العامة إلى الشركات التى يديرها الجنرالات.
والوضع الراهن فى مصر غير مستقر ويهدد بجر الدولة من أزمة مالية واقتصادية إلى أخرى، ووافقت الحكومة الأسبوع الماضى على موازنتها العامة للسنة المالية 2014 ــ 2015، والتى بدلا من أن تعالج العجز المزمن «المقدر بـ %12 من الناتج المحلى الإجمالى»، رفعت الإنفاق العام بنسبة %10.
ورغم أن التفاصيل غير واضحة، سوف تواصل الحكومة محاولاتها القيام بتقدم متواضع ولكنه جدير بالثناء فيما يتعلق بمعالجة عبء دعم المنتجات الاستهلاكية مثل الوقود والغذاء، ومن المزمع تخفيض الدعم على المنتجات الهيدروكربونية بمقدار الربع، أى من حوالى 19 مليار دولار إلى أقل من 15 مليار دولار.
وفى الوقت نفسه، يتم توسيع استخدام الكروت الذكية لشراء المنتجات المدعمة، ففى ضواحى الجيزة على سبيل المثال، يشترط على المواطنين التسجيل للحصول على الكروت الذكية لشراء الخبز المدعم، ولكى تحد من حجم السوق السوداء فى الدقيق، سوف تبدأ الحكومة فى تقديم دعم على مشتريات المخابز من الدقيق المدعم.
وعلى الرغم من هذه التدابير سيظل الدعم مشكلة كبيرة، وليس فقط ماليا وإنما لأنه فعال جدا فى مساعدة الفقراء، وحتى الآن لا يوجد أى إشارات على أن الحكومة تريد استبدال الدعم، كلياً أو جزئياً، بطرق قائمة على تحويل النقدية لمساعدة المحتاجين.
والأكثر أهمية من ذلك أن الشعب المصرى يحتاج الوصول إلى الفرص الاقتصادية، فمصر تأتى فى المركز الـ 108 فى المؤشر العالمى لمعهد فرايزر للحريات الاقتصادية، بعد تونس «81» والمغرب «98» ناهيك عن الأردن «13».
ولم تحقق الدولة أى تقدما فى جعل بيئة ممارسة الأعمال فيها أكثر ودية تجاه الاستثمارات فحسب وإنما لم تقم حتى بتنفيذ الخطوة منخفضة التكلفة والتى قد تلقى رواجا شعبيا والمتعلقة بجعل ملكيات الفقراء من الأراضى رسمية، وهى الفكرة التى اقترحها الاقتصادى البيروفى هيرناندو دى سوتو.
وكل ذلك، لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل مصر، ويستند الدعم الشعبى للسيسى بقوة على اعتباره ضامناً لاستقرار الدولة، اما فى مجال السياسة الاقتصادية، فإن هذا «الاستقرار» يمثل بشكل متزايد حالة من الشلل غير قادرة على معالجة جذور أسباب الفقر ونقص التنمية فى الدولة.
وهذا بالإضافة إلى أن القمع عديم الضمير لأى معارضة سياسية سوف يخلق خليطا متفجرا، وإذا لم تبدأ حكومة السيسى فى بناء أسس اقتصاد السوق الحقيقى الذى ينتفع منه المصريون العاديون وليس فقط زمرة قليلة، فلا ينبغى أن نعجب إذا خرج المصريون إلى الشوراع مجددا.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشال تايمز








