بقلم: ليونيد بيرشيدسكي
إن المؤسسات المالية الدولية الجديدة التى أسستها مجموعة “البريكس” التى تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا الأسبوع الماضى فى قمة البرازيل كانت من المفترض أن تكون ذات أهمية ضيلة فى عالم الانتصار الغربى الذى وصفه الكاتب الأمريكى فرانسيس فوكوياما فى مقالته عام 1989، “نهاية التاريخ؟”، ولكن هذا العالم لم يتحقق.
أما فى عالمنا، فإن تمرد دول مجموعة “البريكس” على الأركان الغربية لإدارة النظام المالى العالمى أكثر من مجرد إيماءة سياسية وإنما هو تهديد وأداة مساومة.
ولدى البنك الدولى رأسمال مكتتب بقيمة 223.2 مليار دولار تدفعها 188 دولة، وتعد الولايات المتحدة أكبر مساهم بـ%16، والصين الثالثة بنحو %5.76 بقيمة 12.86 مليار دولار.
ولذلك فإن مساهمة المجموعة فى بنك تنمية دول “البريكس” بقيمة 10 مليارات دولار ليست أقل بكثير من مساهمتها فى البنك الدولى، أما روسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، الذين يساهمون بنفس القدر، سوف يدفعون أموالا أكثر لبنك التنمية أكثر من البنك الدولي.
وتحدد مساهمات الدول فى صندوق النقد الدولى وفقا للحجم النسبى لتلك الاقتصادات، ولدى الصندوق 315 مليار دولار كموارد مالية متاحة فورية وأكثر من تريليون دولار يستطيع جمعها فى الظروف الاستثنائية.
والولايات المتحدة هى أيضا أكبر مساهم فى الصندوق، بينما تبلغ حصة روسيا 9.19 مليار دولار أى تقريبا نصف الـ18 مليار دولار الذى ستقدمه إلى آلية الملاذ الأخير لإنقاذ دول البريكس، أو خطة الاحتياطى الطارئ بقيمة 100 مليار دولار، وسوف تساهم الصين بـ41 مليار دولار لهذه الخطة أى تقريبا ثلاث أضعاف حصتها فى صندوق النقد الدولي.
ولا ينبغى تجاهل هذه المؤسسات الجديدة، فهى ذات أهمية لدى الدول المساهمة فيها، ورغم أنها لن تنافس البنك الدولى أو صندوق النقد فى الحجم، إلا إنها لا تحتاج إلى ذلك، وفى الوقت الراهن على الأقل ستكون مسئولياتها أقل عالمية بكثير.
وتعد أسباب إنشاء بدائل لصندوق النقد الدولى والبنك الدولى سياسية جزئيا، وعلى سبيل المثال، تعد أوكرانيا حاليا أكبر رابع مستدين من صندوق النقد الدولى، وبالتأكيد لم يكن تمويل الحكومة – التى تبذل قصارى جهدها للخروج من نطاق نفوذ روسيا – على قائمة أولويات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، بل على العكس، يبدو أن روسيا تمول تمردا ضد الحكومة فى كييف.
وتعهد صندوق النقد الدولى بإصلاح نفسه، وإعطاء المزيد من القوة للدول النامية الكبيرة، فمن المفترض بحلول يناير المقبل، ان تكون الصين صاحبة ثالث أكبر حصة، وأن تكون البرازيل والهند وروسيا من بين أكبر عشرة، ويعتقد بوتين أن تغيير النظام يتم تأجيله “بشكل غير مبرر”، وهذا يرجع إلى عدم استعجال الكونجرس فى الموافقة على التغييرات، كما قد يتم تأجيل الموعد النهائى مرة أخرى.
وبعد الإصلاح الذى تعهد به صندوق النقد الدولى، سوف يكون للغرب الكلمة العليا فى تحديد كيفية تخصيص الأموال، ورغم أن صندوق النقد يؤكد أنه لا يختص سوى بالاقتصاد، يعلم بوتين أن الأمر ليس كذلك، فهو يتذكر كيف توسلت روسيا لحزمة إنقاذ فى 1998، قبل التعثر مباشرة، ثم تلقت واحدة فى وقت لم يكن باستطاعتها الالتزام بالمعايير التى يضعها عادة المقرضون الدوليون.
كما أن أكبر المدينين الآخرين لصندوق النقد ليسوا ممن تهتم بهم دول ” البريكس”، فلماذا يقرضون اليونان 23.5 مليار دولار، والبرتغال 22.9 مليار دولار، وإيرلندا و19.4 مليار، خاصة أن حصص هذه الدول فى الموازين التجارية لدول البريكس متواضعة.
ورغبة دول البريكس فى تخصيص المزيد من الموارد إلى مؤسساتها الجديدة أكثر من القائمة حاليا، يؤكد الجدية فى تغيير النظام، وسوف تُترك الولايات المتحدة وحلفائها فرائس للتخمين إذا ما كانت دول البريكس سوف تتوقف فى النهاية عن تمويل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، وإن حدث ذلك، لن يكون فى المستقبل القريب، خاصة أن الصين والهند والبرازيل من بين الدول الأكثر تعرضا لتمويل البنك الدولى، ولأسباب سياسية أيضا، لا أحد غير بوتين يريد ان يقسّم العالم إلى معسكرات متعادية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة «بلومبرج»








