بقلم: تشانج جون
من المتفق عليه أن التنمية الاقتصادية تعنى المزيد من نمو الناتج المحلى الإجمالي، وكما تتلقن الصين الدرس حالياً، فإن كل منهما لا يضمن الآخر، وإذا لم يطور قادة الصين استراتيجية النمو فى البلاد لتحفيز التقدم التكنولوجى والتحول الهيكلي، فسوف يظل حلم الوصول إلى مكانة الدخل المرتفع بعيدة عن متناول ثانى أكبر اقتصاد فى العالم وأكثره كثافة للسكان.
ومما لا شك فيه أن استراتيجية النمو الصينية – التى تحركها الاستثمارات فى البنية التحتية والزيادة الهائلة فى الصادرات التصنيعية منخفضة القيمة ونقل التقنية – قد أدت إلى بعض التغيرات الهيكلية، وبينما انتقلت العمالة ورؤوس الأموال من القطاعات والمناطق منخفضة الإنتاجية إلى النشاطات عالية الإنتاجية، أصبح توزيع الموارد أكثر فعالية وارتفعت الأجور الحقيقية وتم تطوير الهيكل الاقتصادي.
ولكن استراتيجيات النمو التى رفعت دولة فقيرة إلى مستويات الدخل المتوسط لا يمكن الاعتماد عليها فى الزج بها إلى مكانة الدخل العالي، وهناك العديد من الدول التى فشل قاداتها فى إدراك ما يعوق استراتيجيتهم وتوفير المحفزات الكافية للحث على ظهور استراتيجية جديدة، مما يؤدى إلى ركود اقتصاداتها وتركها عالقة فيما يطلق عليه «فخ الدخل المتوسط».
وكما لاحظ جوستاف رانيس، خبير اقتصادى فى جامعة يال، قبل عشرين عاماً تقريباً، أن مفتاح التنمية الناجحة والمستدامة هو «تجنب تحجر الأفكار»، وبالنسبة لصناع السياسة الصينيين، فهذا يعنى الاقرار بالحاجة إلى التخلى عن الافكار الاساسية التى عززت النمو السابق للاقتصاد قبل أن تصبح متحجرة للدرجة التى تجعلها تهدد آفاق التنمية فى البلاد.
والمشكلة الأولى هى اعتماد الصين الدائم على الصادرات، ففى المراحل الأولية للتنمية الاقتصادية كانت جميع استراتيجيات النمو تركز على استراتيجيات التجارة، ولكن نموذج النمو الصينى القائم على التصدير له حدود والصين قد وصلت لتلك الحدود، وما لم يحدث التغيير قريباً، فسوف يصبح نظام الصرف الأجنبى وضوابط رأس المال التى يعتمد عليها النموذج راسخة ترسخاً عميقاً، ما يعنى إضاعة فرصة التعديل.
ويكمن الخطر الآخر فى استمرار قادة الصين فى تأجيل الجهود لتوسيع قطاع الخدمات- بما فى ذلك التمويل والتأمين وتجارة الجملة والتجزئة واللوجيستيات- على أمل أن يستمر الاقتصاد فى اعتماده على التصنيع، ونظرا لصعوبة الحصول على دعم لمثل هذه الجهود، وخاصة مقارنة بالسياسات التى تستهدف دعم التصنيع، فسوف يحتاج تحريراً وتوسيع قطاع الخدمات إلى التزام قوى من الحكومة الصينية، ومن الممكن أن يوفر فشل اليابان فى جعل قطاع الخدمات أكثر انفتاحاً – الذى اعاق من قدرتها على جعل هيكلها الاقتصادى يتلاءم مع العائد الديمغرافى المتناقص الدافع الذى تشتد الحاجة اليه.
والفكرة الأخيرة التى تهدد بعرقلة إحراز المزيد من التقدم هو أن التحول السياسى سوف يقوض النظام الاجتماعي، فمن إحدى الدروس الكبرى المستفادة من اقتصادات شرق آسيا للبلدان النامية هو أن التنمية الاقتصادية هى التى تؤدى إلى تحول المؤسسات وليس العكس.
وباختصار، فإن الخطر الأكبر أمام استمرار التنمية فى الصين لا يكمن فى اندلاع أزمة، ولكن فى فشل قاداتها السياسيين ونخبتها الفكرية فى إدراك الحاجة إلى تغير استراتيجية النمو التى أثبتت نجاحها حتى الآن.
وفى الواقع، هناك إجماع بالفعل يبدو أنه آخذ فى الظهور بشأن الحاجة إلى الحد من اعتماد الصين على الصادرات وتوسيع التجارة فى الخدمات وجذب المزيد من الاستثمارات الاجتماعية إلى قطاع الخدمات وتسريع تحرير سعر الصرف وأسعار الفائدة وتدفقات رأس المال عبر الحدود، كما أعلن قادة الصين بعد الجلسة الثالثة للجنة المركزية الثامنة عشر للحزب الشيوعى الصينى فى نوفمبر الماضى التزامهم بالسماح للسوق بلعب دور أكبر فى تشكيل النتائج الاقتصادية.
ومما لا شك فيه أن هذه الخطوات تسير فى الاتجاه الصحيح، والسؤال هنا هو هل سيتابع القادة فى الصين تنفيذ ما جاء فى تصريحاتهم قبل فوات الأوان.






