بقلم: محمد العريان
فى العام المقبل، ستكون السمة الرئيسية للاقتصاد العالمى هى «التباينات»، والتى ستنطبق على اتجاهات وسياسات وأداء الاقتصاد ، ومع التوغل فى العام، سوف يصبح من الصعب بشكل متزايد التوفيق بين هذه التباينات مما سيترك صناع السياسة أمام خيار وحيد، وهو التغلب على هذه العوائق التى لطالما قوضت التصرف الفعال، وإلا سيخاطرون بزعزعة استقرار اقتصاداتهم.
وسوف يهيمن على الاقتصاد متعدد السرعات أربع مجموعات من الدول، المجموعة الأولى، بقيادة الولايات المتحدة، سوف تختبر تحسناً مستمراً فى الأداء الاقتصادي، وستصبح أسواق العمالة لديها أكثر قوة، وسيصاحب خلق الوظائف زيادة فى الأجور، وستكون فيها فوائد النمو الاقتصادى موزعة بعدم مساواة أقل مما كانت عليه فى السنوات الخمس السابقة، ولكنها ستظل تعود بالفائدة الأكبر على الذين هم أفضل حالاً بالفعل ولكن بشكل متفاوت.
والمجموعة الثانية، بقيادة الصين، سوف تستقر اقتصاداتها على مستويات نمو أقل من تلك القياسية المعتادة فى السنوات الماضية، ولكنها سوف تواصل نضوجها هيكلياً، وسوف تعيد تلك المجموعة توجيه نماذج اقتصاداتها بحيث تكون أكثر استدامة، وهو ما سوف يعرض الأسواق المالية لنوبات من عدم الاستقرار ولكن لن يعرقلها.
وعلاوة على ذلك، سوف تعمل تلك الدول على إثراء أسواقها الداخلية، وتحسين الأطر التنظيمية، وتمكين القطاع الخاص، وتوسيع مجال الإدارة الاقتصادية القائمة على تحركات السوق.
أما المجموعة الثالثة، بقيادة أوروبا، فسوف تواصل المعاناة بسبب تغذية الركود الاقتصادى للاستياء الاجتماعى والسياسى فى بعض البلدان، وتعقيده للقرارات السياسية الإقليمية، كما سيؤدى النمو الهزيل، والقوى الانكماشية، والمديونيات العالية إلى تقويض الاستثمار، وسوف تعانى أكثر اقتصادات تلك المجموعة مواجهة للتحديات من البطالة العالية والمستمرة، خاصة بين الشباب.
وتشكل المجموعة الأخيرة تلك الدول التى تواجه عوامل غير متوقعة والتى لحجمها وعلاقاتها آثار نظامية مهمة، وأكثر الأمثلة أهمية على هذه الدول هى روسيا.
وتواجه روسيا ركوداً اقتصادياً متزايداً، وعملة منهارة، وهروباً لرؤوس الأموال، ونقصاً فى المواد بسبب انكماش الواردات، ولذلك سوف يحتاج الرئيس فلاديمير بوتين إلى اتخاذ قرر إما أن يغير منهجه تجاه أوكرانيا، وإعادة التواصل مع الغرب لرفع العقوبات، وبناء اقتصاد أكثر استدامة وتنوعا، وإلا سيكون البديل بمثابة محاولة لإثارة الغضب الشعبى نتيجة المزيد من التوغل فى أوكرانيا.
وهذا النهج من شأنه أن يؤدى على الأرجح إلى جولة جديدة من العقوبات والعقوبات المضادة مما يغرق الدولة فى المزيد من الركود – وربما يشعل ذلك فتيل عدم الاستقرار السياسى أو يدفع بالدولة لاتخاذ مواقف أكثر خطورة على صعيد السياسة الخارجية – ويفاقم الأزمة الاقتصاية فى أوروبا.
وتعد البرازيل مثالاً صارخاً آخر، وقد أعربت الرئيس، ديلما روسيف، التى يطاردها شبح فوزها بفارق ضئيل فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عن استعدادها لتحسين إدارة الاقتصاد الكلي، بما فى ذلك مقاومة الانزلاق نحو «الدولانية» أى الاعتقاد بأن الدولة قادرة وحدها على التحكم فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتى تبدو فوائدها شاحبة مقارنة بأضرارها الجانبية وعواقبها غير المقصودة.
وإذا نجحت رئيسة البرازيل فى الوفاء بوعودها فسوف تنضم إلى المكسيك فى ترسيخ الاستقرار فى أمريكا اللاتينية فى 2015، وهذا بدوره سيساعد المنطقة على تخطى الآثار الهدامة القادمة من الاقتصاد الفنزويلى المتدهور بسبب أسعار البترول.
وسوف يساهم الأداء الاقتصادى متعدد السرعات فى اتخاذ البنوك المركزية لمسارات مختلفة مع تزايد الضغط لتبنى سياسات نقدية متباينة، خاصة فى الدول المتقدمة ذات الأهمية النظامية.
وعلاوة على ذلك، وفى الوقت الذى أصبح فيه من الصعب على أسواق العملات لعب دور المصلح المنظِم، قد يزداد الخلاف بين الدول، مما قد يضر بالهدوء غير المعتاد الذى ساد فى أسواق الأسهم مؤخراً.
ولحسن الحظ، هناك طرق لضمان أن التباينات فى 2015 لا تؤدى إلى اضطرابات اقتصادية ومالية، وبالفعل، تمتلك معظم الحكومات – خاصة فى أوروبا، واليابان والولايات المتحدة – الأدوات اللازمة لتهدئة تلك الاضطرابات، وفى نفس الوقت إطلاق الإمكانات البنّاءة لاقتصاداتها.
وتجنب التأثير المدمر المحتمل للتباين لا يتعلق بتصميم السياسات لأنه يوجد بالفعل اتفاق عام بين الاقتصاديين بشأن التدابير المطلوبة على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، وإنما يتعلق بالتطبيق والتطبيق السليم الذى يتطلب إرادة سياسية كبيرة ومستدامة.
وسوف يزداد الضغط على صناع السياسة العام المقبل لمعالجة مخاطر التباين، وسوف تمتد آثار عدم التصرف إلى ما بعد 2015.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت







