بقلم: ياروسلاف تروفيموف
هذا هو عصر ممالك الخليج في الشرق الأوسط، ففي أعقاب ثورات الربيع العربي، كانت الدول الكبرى التي تهيمن على العالم العربي إما تناضل من أجل إعادة بناء مؤسساتها واقتصاداتها التي دمرتها الاضطرابات، كما هو الحال في مصر، أو أنها تتمزق إربا بسبب الحروب المستمرة، كما هو الحال في سوريا والعراق، ومنذ ذلك الحين، أصبح مستقبل المنطقة متوقفا على قرارات تتخذها دول الخليج مثل السعودية والإمارات وقطر- وهي الممالك التي بقيت سالمة، حتى الآن، من اضطرابات المنطقة.
وتستخدم هذه الدول، التي تعد جزءا من الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي، ثورتها النفطية لممارسة نفوذها غير المتكافيء لعقود عديدة وعدم السماح بظهور المعارضة داخل حدودها .
وفي أعقاب موجة الثورات العربية في عام 2011، بدأت دول خليجية تتورط على نحو متزايد في الصراعات الخارجية بدءا من ليبيا وحتى اليمن في محاولة لدرء العدوى المزدوجة للحركات المؤيدة للديمقراطية وتصاعد التطرف الإسلامي.
وقال يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن، “إن المنطقة برمتها تنهار من حولنا، ونعي أن أمامنا الكثير لحمايته، فهل ينبغي علينا الانتظار حتى يكون الخطر على الحدود الإماراتية؟ أم ينبغي علينا إقامة منطقة أكثر اعتدالا؟”
والخوف من صعود إيران الذي امتزج الآن بشعور بالانفصال عن الولايات المتحدة- الضامن التقليدي لأمن الخليج- يدفع هذه الممالك الذهاب ما وراء تمويل الصراعات الخارجية بالوكالة والاشتراك في حروب مباشرة خارجيا.
والتدخل العسكري بقيادة السعودية الذي بدأ الشهر الماضي ضد الحوثيين في اليمن يمثل نقطة تحول، مؤكدة أن القوة العسكرية لدول الخليج تأخذهم إلى منطقة جديدة محفوفة بالمخاطر.
وقال جمال عبد الجواد سلطان، أستاذ العلوم السياسية لدى الجامعة الأمريكية في القاهرة، إن دول الخليج ليس أمامها مجالا لإقصاء أنفسها من كل هذه الصراعات والوقوف على الهامش، فهذه الدول تشعر أنها مجبرة على التحرك لأن مؤسساتها ظلت سليمة في الوقت الذي لا تستطيع فيه الدول العربية الكبرى رعاية أعمالها التجارية الخاصة.
وتعهدت السعودية والإمارات والكويت بإجمالي 12 مليار دولار لمساعدة حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك في المؤتمر الاقتصادي الذي أقامته مصر في شرم الشيخ الشهر الماضي ورفضت فيه الولايات المتحدة تقديم مساعدات إضافية.
ولم تأت أموال الخليج دون شروط، فالإماراتيون الذين يشرفون على نفقاتهم، قاموا بتعيين مستشاريين في الوزارات المصرية للتأكد من أن أموالهم تُنفق بطريقة سليمة، وذلك وفقا لمسؤولين ودبلوماسيين، ولتشجيع الاصلاحات الاقتصادية التي من شأنها إنعاش اقتصاد مصر.
وقال مشعل الجرجاوى، المدير التنفيذى لمعهد ديلما، إن المستوى الحالي من التزامات الامارات تجاه مصر غير مسبوق، فالبلاد ترى مصر دولة عربية مثالية، ويرجع ذلك لأن رؤيتها الجيواستراتيجية للعالم العربي هو منطقة يقودها العرب.
ومع تردد الولايات المتحدة فى الإنزلاق إلى صراعات الشرق الأوسط، تتنافس هذه الرؤية مع مشروع بديل- يعد الكابوس الاستراتيجي لحكام الخليج- وهو منطقة تقودها إيران ووكلائها الشيعة.
وفي هذه المواجهة، ليس من المؤكد أن ممالك الخليج مستعدة لهذا الدور القيادي الذي يجدوا فيه أنفسهم وسط الفوضى التي تعانيها باقي دول العالم العربي، فبخلاف إيران، تفتقر دول مجلس التعاون الخليجي- بما فيها السعودية- إلى سياسة خارجية متطورة ومؤسسات للأمن القومى تتماشى مع معاركهم الجديدة، والمسؤولون هناك يعترفون بذلك، فالقرارات هناك يتخذها حفنة من كبار الشخصيات دون تحليل دقيق للعواقب.
وعلى الرغم من كل هذه القيود، مازالت دول الخليج تتخذ خطوات جريئة في المنطقة، ويعود هذا جزئيا إلى شعورها بأن ليس أمامها خيار آخر عندما واجهت ضربة مزدوجة من تردد الولايات المتحدة وازدياد النفوذ الإيراني.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: وول ستريت جورنال








