البنوك الاستثمارية تعاني وطأة الأزمة المالية بعد سبع سنوات من إندلاعها

بعد مرور سبع سنوات على اندلاع الأزمة المالية، لا يزال العديد من البنوك الاستثمارية تائهةً وسط الضباب، تبحث عن نموذج للعمل قابل للتطبيق، فمع الضغوط التنظيمية المستمرة فى التصاعد وتكاليف التشغيل الآخذة فى الارتفاع، هل يستطيع القطاع أن يجد مخرجاً من هذا الطريق المظلم؟

أوضحت مجلة «ذى بانكر»، فى تقرير لها، أنه فى أعقاب الأزمة المالية، وضع المنظمون على المستويين المحلى والدولى مجموعةً ضخمةً من المعايير الجديدة للقطاع المصرفي، ووضع العديد أملاً كبيراً على أنشطة البنوك الاستثمارية، وارتفعت نسب رأس المال ارتفاعاً كبيراً، وتم وضع أعباء رأسمالية جديدة لتعكس مخاطر التداول بالمشتقات وغيرها من الأدوات المالية المعقدة على نحو أفضل. وحدثت تغييرات هيكلية واسعة النطاق فى أسواق التداول التى تشكل العمود الفقرى لغالبية أنشطة البنوك الاستثمارية، إذ استُحدث نظام المقاصة المركزية لعمليات التداول خارج المقصورة، ما يجعل السوق أكثر أمناً ظاهرياً، ولكنه يزيد من تكاليفه اللوجستية والنقدية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الدور المتزايد لمنصات التداول غير المصرفية فى بورصة المشتقات المالية، هدد هيمنة البنوك الاستثمارية على أسواق المشتقات من خلال فتح الباب أمام مزودى السيولة غير المصرفيين.

ولا تزال الخدمات الاستشارية التى تقدمها البنوك الاستثمارية، مثل إصدار السندات والطروحات الأولية وعمليات الاندماج والاستحواذ، مربحة ولكنها أصغر حجماً، وتضع البنوك الاستثمارية هذه المجالات نصب أعينها فى محاولة لسرقة نشاط من منافسيها الأكبر التى صرفت انتباهها عن تلك الأنشطة لانشغالها باهتمامات أخرى.

وكان العديد من هذه التغييرات التنظيمية ضرورية، ورحبت البنوك العالمية بها، ومع ذلك، فإن تأثيرها المتراكم جعل قطاع بنوك الاستثمار فى حالة تغيير مستمر.

وقالت سكوت أوماليا، الرئيس التنفيذى لجمعية المشتقات والمبادلات الدولية، إن بعض البنوك تنسحب من أسواق معينة، وتتخارج بنوك أخرى من نشاطات بأكملها، ونحن فى حاجة إلى دراسة تأثير ذلك على القطاع عندما يتعلق الأمر بخدمة الاقتصاد الحقيقي.

يبدو أن بعض البنوك أوقفت أنشطتها الاستثمارية بالفعل، فعلى سبيل المثال، كانت سمة الثلاث أو الأربع سنوات الماضية بالنسبة لـ«رويال بنك أوف سكوتلاند»، إغلاق أو بيع أجزاء من نشاطه الاستثماري، إذ أعلن البنك عن بيع منتجات التجزئة ونشاط الاستثمار فى الأسهم لبنك «بى إن بى باريبا» فى يونيو 2013، كما تخارج «رويال بنك» من مبادلات المقاصة فى مايو 2014، وأعلن عن خطط لتقليص نشاطات التداول فى أدوات الدخل الثابت فى آسيا فى ديسمبر 2014، وبنهاية يوليو من العام الجاري، أعلن أن ذراعه الاستثمارية ستتم تصفيتها تدريجياً خلال العامين أو الثلاثة المقبلة ليصبح جزءا غير مهم من تشكيل المجموعة.

ومن ناحية أخرى، أغلق بنك «يو بى إس» نشاطه فى أدوات الدخل الثابت والاستغناء عن 10.000 وظيفة، وعزز البنك إنفاقه على أنشطته غير الاستثمارية مثل عمليات إدارة الثروات.

وعلى الرغم من أن البنوك الأخرى لم تُخضع أذرعتها الاستثمارية لمثل هذه العملية الجراحية المؤلمة، وضع العديد منها حداً لآفاقها وتراجعت عن تقديم خدمات كاملة، فعلى سبيل المثال، خفض «دويتشه بنك» محفظته الخاصة بمبادلة التعثر الائتمانى نهاية عام 2014.

وفى الواقع، فاقم التراجع المتباطئ لسوق مبادلة التعثر الائتماني، الذى خسر ما يزيد على ثلثى قيمته الاسمية منذ الأزمة المالية، المشكلات التى تؤثر على جانب التداول فى البنوك الاستثمارية.

وأدمج «دويتشه بنك» جنبا إلى جنب بعض منافسيه نشاطتها فى مبادلة التعثر الائتمانى وأدوات الدخل الثابت، التى تشكل أكبر فئات الأصول فى محفظة تداول البنوك الاستثمارية، فى محاولة لخفض التكاليف.

وخففت بيئة أسعار الفائدة المنخفضة من المخاوف بشأن التمويل، جراء سهولة الحصول على التمويل الرخيص طويل الأجل من خلال إصدارات الأسهم والسندات، الأمر الذى كان بمثابة نعمة كبيرة بالنسبة للعديد من الشركات، ولاسيما الشركات الأوروبية التى تحتاج إلى زيادة مستويات رأس المال سريعاً بعد الأزمة.

ولكن أسعار الفائدة المنخفضة تعنى أيضاً فترة غير مسبوقة من التقلبات المنخفضة، ولاسيما فى أدوات الدخل الثابت وسعر الصرف، وأفاد بنك التسويات الدولى بأن القيمة الإجمالية للمشتقات المتداولة خارج المقصورة تراجعت من 25،000 مليار دولار نهاية عام 2012 إلى 17.000 مليار دولار منتصف عام 2014.

ويعد أداء البنوك الاستثمارية ضعيفاً العام الجاري، فحتى شهر أكتوبر، شهد بنك واحد فقط من بين أفضل عشرة بنوك استثمارية أداءً تحسناً فى الأرباح عن الفترة ذاتها العام الماضي، وتراجعت، عالمياً، أرباح البنوك الاستثمارية بنسبة 11% لتقف عند 58.5 مليار دولار، فى حين انخفضت، على المستوى الإقليمي، بنحو 1% فقط فى الولايات المتحدة، و27% فى أوروبا.

ومن الصعب إحصاء تأثير ارتفاع أسعار الفائدة، تلك الخطوة التى من المرجح أن يقوم بها قريباً بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى وبنك إنجلترا المركزي، فربما يكون التمويل أكثر تكلفة، ولكن نشاط التداول سيحظى بدفعة حتى لو كان ارتفاع أسعار الفائدة متواضعاً، نظراً لأن العملاء سيتطلعون إلى التحوط ضد المزيد من التقلبات.