منذ ما يقرب من قرن من الزمن، طرح الرئيس الأمريكى وودرو ويلسون، قضية العقوبات الاقتصادية، وهو يدافع عن عصبة الأمم، وقال: «الأمة التى نقاطعها هى أمة على وشك الاستسلام».
وأضاف: «طبّق هذا العلاج الاقتصادى والسلمى الصامت والمميت، ولن تكون هناك حاجة لاستخدام القوة، إنه علاج رهيب لا يكلف حياة خارج الدولة التى تقاطعها لكنه يفرض ضغوطاً عليها، وفى رأيى أنه لا توجد دولة حديثة يمكن أن تقاوم».
بالنسبة إلى ويلسون، كان الجانب الاقتصادى للحرب العالمية الأولى هو الذى ساعد على هزيمة ألمانيا، ومن المفارقات بالطبع أن بلد ويلسون لم ينضم أبداً إلى عصبة الأمم؛ حيث لم يكن مستعداً بعد للعب دور نشط على المسرح العالمى، لكن بعد الحرب العالمية الثانية بدأت الولايات المتحدة الانخراط مع العالم والاستفادة من مكانتها كقوة عظمى عالمية لفرض عقوبات اقتصادية بدلاً من الصراع المسلح، وبالتالى تحقق أهداف سياستها الخارجية.
لكن أصوات تفجيرات هجمات الحادى عشر من سبتمبر غيرت نمط استخدام الولايات المتحدة للعقوبات الاقتصادية كسلاح لم يكن ويلسون يتخيل مدى قوته المميتة، فقد قتل 70 ألف طفل عراقى خلال 10 سنوات من الحصار بهدف إسقاط الرئيس الراحل صدام حسين.
يقول تحليل نشره موقع معهد ستراتفور للأبحاث الأمنية والسياسية الأمريكى، إن العقوبات الاقتصادية ليست اختراعاً أمريكياً، لكنها تعود إلى الحضارة اليونانية القديمة على الأقل عندما منع القائد اليونانى بريكليس سكان مدينة ميجارا من دخول موانئ وأسواق أثينا.
لكن نشب جدال حول آثار هذا الحصار بطبيعة الحال قديماً، فبعد كل شىء تسبب ذلك فى إشعال حرب بيلوبونيز المأساوية، والتى لم تنته بشكل جيد بالنسبة لأثينا عندما انتصر تحالف إسبرطة، وهيمن على اليونان.
فى الواقع، كان أول استخدام رئيسى للعقوبات الاقتصادية لواشنطن هو الحظر التجارى لتوماس جيفرسون- حكم فى الفترة من 4 مارس 1801 وحتى 4 مارس 1809- الذى أوقفت فيه الولايات المتحدة جميع الصادرات إلى فرنسا والمملكة المتحدة على أمل الضغط عليهما لوقف هجماتهما على السفن التجارية الأمريكية المحايدة خلال حروب نابليون.
فى النهاية، تعد العقوبات الاقتصادية مجرد أداة محتملة لتحقيق هدف استراتيجى، ومما لا شك فيه شعرت فرنسا والمملكة المتحدة بنوع من التأثير الاقتصادى نتيجة الحصار الاقتصادى الذى فرضه جيفرسون، لكنه تسبب فى ألم اقتصادى ضئيل للغاية بالنسبة للولايات المتحدة؛ لكى تحقق هدفها الاستراتيجى.
وأثبتت التجربة أن أى جرعة من العقوبات الاقتصادية وأى تدابير أخرى مصاحبة تمثل تحدياً للولايات المتحدة بل وأى بلد آخر يلجأ لهذا النوع من السلاح وليس فقط للدولة المحاصرة.
الملف التالى يرصد استراتيجية العقوبات الاقتصادية الأمريكية وتطورها حتى وصولها إلى ذروتها فى الصراع مع إيران.
مقالات الملف
https://www.alborsaanews.com/special-file/%d8%b3%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%88%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d9%89-%d9%82%d8%aa