عمرو حمزاوى – الوطن
قبل أن أغادر مجلس الشعب يوم الاثنين الماضى لظرف حزين (وفاة عمى المستشار عاطف حمزاوى)، كانت بعض التعديلات على قانون الانتخابات الرئاسية مطروحة للمناقشة. وبعد ساعات قليلة من مغادرتى المجلس أبلغنى أحد الزملاء أن المجلس مرر التعديلات وأخذ الرأى النهائى عليها، وأن من بين ما ووفق عليه هو السماح للمرشحين فى الانتخابات الرئاسية بالدعاية منذ فتح باب الترشح وإلى يوم الاقتراع.
هنا أقف لأؤكد أن مد فترة الدعاية الانتخابية إلى يوم الاقتراع، أى إلى اللحظة الأخيرة قبل أن يقف الناخب أمام صناديق الانتخاب للإدلاء بصوته، يخالف كافة الأعراف الديمقراطية ويضرب بمبدأ الصمت الانتخابى المعمول به فى معظم دول العالم عرض الحائط. ولست بسعيد على الإطلاق بتورط مجلس الشعب فى الموافقة على تعديل كهذا، وعلى الرغم من أن العديد من الأصوات داخل القاعة وأثناء النقاش الذى حدث قبل مغادرتى حذرت من خطورة إلغاء الصمت الانتخابى (كان من بينها الدكتورة سوزى ناشد والمهندس باسل عادل وشددت أنا أيضاً على نفس المعنى).
هدف الصمت الانتخابى هو احترام حق الناخبة والناخب فى اتخاذ القرار دون مؤثرات خارجية تصحبهم وتضغط عليهم حتى اللحظة الأخيرة، الوقوف أمام صناديق الاقتراع. الهدف هو تمكيننا من العودة إلى ضمائرنا وإدراكنا بمعزل عن الدعاية الانتخابية وبعد أن تعرضنا لها لفترة ليست بالقصيرة (لا تقل فترات الدعاية الانتخابية أبداً عن شهر) لكى نحسم قرارنا ونعطى صوتنا، وهو مسئولية المواطن الكبرى للمرشح أو للحزب (وفقاً للانتخابات) الذى تقتنع به. الجوهر إذاً ديمقراطى بجلاء وينتصر لحق الناخب فى الاختيار الحر ويثق فى قدرته على ممارسة هذا الحق برشادة وعقلانية بعد أن تعرف على المرشحين والأحزاب من واقع دعايتهم قبل الصمت الانتخابى. وقد جرت العادة فى معظم دول العالم على أن يكون الصمت ليومين قبل الانتخاب، وأن تغيب الدعاية الانتخابية بالكامل عن مراكز الاقتراع.
ما أقره مجلس الشعب يطيح بهذا ويفتح الباب على مصراعيه لتجاوزات انتخابية لن يوقفها أحد. فانتخاباتنا البرلمانية الأخيرة، وعلى الرغم من قاعدة الصمت الانتخابى التى عمل بها وقتها (ولا بد من توقع إلغائها فى الانتخابات البرلمانية عما قريب)، شهدت استمرار الدعاية إلى يوم الانتخاب بل وداخل مراكز الاقتراع فى مخالفة صارخة للقانون. وتميز هنا حزبا الحرية والعدالة والنور بالمخالفة بشكل منظم ومتواتر ولم يمنعهما لا الإعلام الذى انتقد الأمر ولا شكاوى المرشحين المنافسين. والآن ومع إلغاء الصمت الانتخابى فى «الرئاسية» لنا أن نتوقع دعاية ومحاولات للتأثير على الناخب تصحبه إلى الصندوق بل وربما أبعد من هذا! التعديل الذى أقره المجلس بإلغاء الصمت الانتخابى مخالف للجوهر الديمقراطى ويكرس التجاوزات الانتخابية ويوسع مساحتها. تعديل معيب وما كان ينبغى الموافقة عليه، إلا أن المصالح الحزبية الضيقة غلبت مجدداً على المصلحة العامة.