بقلم: فالى نصر
وصل الصراع فى سوريا إلى نقطة تحول لا تبشر بنهاية سريعة للصراع القائم هناك، بعد أن ظهرت كل مقومات الحرب الأهلية الطويلة والقاتمة، وذلك سواء كان بشار الأسد رئيساً أم لا، حيث لا يرغب أنصاره فى وقف إطلاق النار، كما أن القوى الدولية المنشغلة بأجندتها الخارجية غير قادرة على إيجاد أرضية مشتركة بينهما.
والمؤشرات تذهب فى مجملها إلى أنه لا يوجد إلى الآن أى مخرج سهل من هذا الصراع المتأزم، الذى يهدد استقرار الشرق الأوسط، لذلك لابد أن توظف الولايات المتحدة وحلفاؤها العلاقات التى تربطها بحلفاء الأسد، أى روسيا وإيران بصفة خاصة للتوصل إلى اتفاقية تقاسم السلطة فى مرحلة ما بعد الأسد، بحيث يدعمها جميع الأطراف لكن ادراك هذه الاتفاقية أمر صعب المنال الآن.
وترى واشنطن أن التطورات التى تشهدها سوريا بمثابة هزيمة استراتيجية مخزية لإيران، وأن موقفها الحيادى من هذه القضية يهدف إلى السعى وراء التوصل إلى تعاون دبلوماسى مع روسيا، خاصة أن إدارة أوباما ومنتقديها يتفقون على أن ادراج إيران فى أى حلول للصراع يعد طوق نجاة لطهران، فضلاً عن أنه يعوق المحادثات بشأن برنامج إيران النووى، إلا أن انهيار سوريا وسلسلة الأحداث التى تؤكد أنها فى طريقها إلى التفكك يشكل تهديداً أكثر خطورة على الشرق الأوسط والمصالح الأمريكية فى المنطقة على المدى الطويل من ذلك التهديد الذى يشكله البرنامج النووى الإيرانى، التى لديها نفوذ أكبر على دمشق من روسيا.
وإذا انفجر الصراع السورى وامتد إلى الخارج فسوف يخسر الجميع، حيث إنه سيمتد إلى جيرانها، لبنان والأردن والعراق وتركيا، فلبنان والعراق على وجه الخصوص معرضان للانزلاق إلى هذا الصراع الطائفى لأنهما يعانان صراعات طائفية واجتماعية وطيدة الصلة بصراعات السنيين والعلويين على السلطة فى سوريا.
ولكن مازال أمامنا الوقت لمنع حدوث الأسوأ ويحتاج ذلك إلى اتخاذ قرارات صعبة وإعادة حساب ما يمكن فعله، حتى إذا كان ذلك ضد حق الفيتو الذى غالباً ما تستخدمه روسيا والصين اللذان شعرا بأن الغرب قد تجاوز حدوده فى تفويض الأمم المتحدة له فى ليبيا ومازال الولايات المتحدة وحلفاؤها يصبون تركيزهم على الضغوط الدولية ودعم المعارضة لإسقاط الأسد، إلا أنهم أخطأوا الهدف لأن ذلك لن ينهى الصراع.
ويجب أن يكون الهدف من المساعى الدبلوماسية هو الوصول إلى اتفاقية تقاسم السلطة يوقعها جميع الأطراف فى مرحلة ما بعد الأسد، فبدلاً من فرض مزيد من الضغوط على حكومة دمشق ومزيد من المشاحنات بين القوى الخارجية، ينبغى أن تتمكن الجهود الدبلوماسية فى النهاية من اقناع السوريين المؤيدين للنظام بترك الصراع.
وهناك أسباب تجعل أمامنا بريق من الأمل فى أن تنضم كل من روسيا وإيران إلى المفاوضات، فكل منهما يريد إصلاح صورته المشوهة أمام العالم العربى، كما أن طهران قلقة بشأن مستقبل أكثر من مليون شيعى فى سوريا، وبالنسبة للغرب يعد سقوط الأسد دون خطة انتقالية بمثابة نصر باهظ الثمن أى بداية لإراقة مزيد من الدماء.
وينبغى أن تتضمن الخطة الانتقالية تركيا أيضاً، حيث إن لديها حدوداً ممتدة مع سوريا، فضلاً عن القوة العسكرية، التى من الممكن أن يكون لها تأثير على الصراع، إلا أن الضلع الأكثر أهمية فى هذه الخطة هى إيران، فهى الدولة الوحيدة التى لها تأثير قوى على الأسد وتتمتع بثقة أطراف مختلفة فى حكومته وتستطيع أن تجعلهم يشاركون فى تلك الخطة الانتقالية، ورغم أنها فى الوقت الحالى أمام طريق مسدود فليس فى استطاعتها التخلى عن الأسد، كما أنها لا تستطيع حمايته، إلا أن هناك مناقشات داخلية حادة تدور بين القادة فى طهران، حيث يدعو بعضهم لوضع حد لدعم بلادهم الدائم للأسد.
وبمجرد دخول الخطة الانتقالية طور التنفيذ سيكون من الضرورى أن نضع فى اعتبارنا أن مثل هذه الخطة لن تكون ذات مصداقية دون تدخل القوات الأجنبية لفرض وقف إطلاق النار وحماية الأقلية التى تدعم الأسد، وحتى تتوصل الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى اتفاق مع روسيا وإيران حيال كيفية سقوط الأسد، فإن الصراع السورى لن يزداد إلا تصعيداً وكذلك التهديد الذى تواجهه المنطقة.
اعداد: ماهر حمود
المصدر: نيويورك تايمز






