ساعدتنى إجازتى الصيفية مع أسرتى، التى طالت لثلاثة أسابيع قضيناها بين ألمانيا واليونان وانتهت بالأمس، على إعادة النظر فى الكثير من الأمور ذات الصلة بانشغالى بالشأن العام والحياة السياسية. توقفت أمام تقييم مجمل أدائى خلال العام ونصف العام الماضية واجتهدت للاعتراف بالأخطاء التى وقعت بها ومن ثم لاستخلاص العبر الواجبة.
ضعف العمل على الأرض والتواصل المنظم مع المواطنات والمواطنين فى دائرة مصر الجديدة التى انتُخبت عنها وعلى امتداد الجمهورية هو الخطأ الأول.
وباستثناء الفترة التى تلت 11 فبراير 2011 مباشرة (وبها تحركت فى الكثير من محافظات مصر محاصرا ومشاركا فى حوارات ومناظرات) وفترة الحملة الانتخابية لبرلمان 2012 (وبها كثفت الجولات بدائرة مصر الجديدة)، أخفقت فى التواصل المنظم وفى الاهتمام بجدية بالقضايا التنموية، إن فى مصر الجديدة أو فى محافظات ومناطق أخرى.
صوت بداخلى يتلمس الأعذار دافعا بضيق الوقت وكثرة الضغوط السياسية والنفسية وتقلبات الأحوال فى مصر. ربما كان لهذه الدفوع بعض المصداقية، إلا أنها أبدا لا تعفى من المسئولية ولا تنفى التقصير ولا تقلل من ضرورة استخلاص عبرة أساسية مفادها أولوية العمل على الأرض والتركيز على قضايا الناس وقضايا المجتمع التنموية لمن يريد الاهتمام بالشأن العام والسياسة.
فالكلام حول الديمقراطية والدستور والانتخابات فقط ليس كافيا، وليس للتواصل عبر الإعلام مهما كانت سهولته وجاذبيته أن يعوض الغياب عن الشارع.
تعجل تسجيل المواقف السياسية فى بعض اللحظات التى مرت على مصر خلال العام ونصف العام الماضية وتقديم هذا على فرض القراءة المتأنية وقيمة الصمت والانتظار والتنسيق مع الشركاء فى الأحزاب وبين الشخصيات العامة هو الخطأ الثانى. عندما بدأت انتهاكات حقوق الإنسان التى ارتكبتها قوات عسكرية وأمنية بعد 11 فبراير 2011، شددت بصورة أحادية على ضرورة حماية مؤسسات الدولة وتماسك القوات المسلحة كعمود أخير لها وفاتنى بداية تأكيد حتمية وقف الانتهاكات فورا والمحاسبة العادلة والناجزة لمرتكبيها. ومع كونى تداركت هذا سريعا (بعد أحداث البالون)، إلا أن العجلة فى تسجيل موقف أحادى وعدم الانتصار بوضوح للالتزام المبدئى بحقوق الإنسان ظلا يؤرقاننى طويلا. ولم تغب العجلة أيضا عن تقديرات ومواقف ارتبطت بقضايا كموعد الانتخابات البرلمانية السابقة (التى طالبت بقصر نظر وفى حالة جذع بتأجيلها)، والنظام الانتخابى الخليط من قوائم حزبية ومقاعد فردية الذى عمل به (وفى ما خصه تعجلت فى المطالبة بتوسيع حصة الأحزاب)، وغيرهما.
أدرك أن التعجل مرض عضال فى السياسة ولدى السياسيين، وأعلم أن بعض القضايا يصعب تقديرها بوضوح وأن الأخطاء فى السياسة كغيرها من مجالات الفعل البشرى تحدث ولست باستثناء هنا. إلا أن الاعتذار عن الوقوع فى خطأ التعجل واجب، وكذلك عن الانطباع الذى تركه هذا لدى البعض بتأرجح أو تلون أو غياب المبدئية عن بعض المواقف طمعا فى مكاسب سياسية وقتية. فلم تكن هذه نيتى أبدا ولم يكن هذا هدفى وليست المكاسب السياسية بمهمة لى، فلدىّ بحياتى المهنية والخاصة (يقف الآن بجانبى ابنى الصغير نوح ويصر ضاحكا على أن أكتب لكم كم يرفض هو أن أكتب عمودى اليومى وأنا معه ومع أخيه لؤى) من مصادر التوازن وتحقيق الذات والسعادة ما يغنينى عن السياسة وقسوتها فى مصر.
بل أحاول أن أسهم قدر استطاعتى وإمكانياتى فى تحويل مصر نحو ديمقراطية نتمناها، وسأجتهد فى قادم الأيام للتحلى بالرؤية والتأنى وفضيلة الصمت حين تغيب عنى بعض ملامح وتفاصيل أحداث جارية.
بقلم : عمرو حمزاوى – الوطن






