بقلم: ميتشل بروثيرو
طرق عديدة تستطيع أن تتعرف بها على مسيرة الديمقراطية فى أى دولة، ولكنها جميعها تشترك فى معنى واحد محورى ألا وهو ان الشعوب هى من تمنح الشرعية للحكومة التى تعكس قيم وثقافة وتقاليد الدولة، ولكن كيف تصنف الدولة التى يعيش على أرضها قوى كثيرة متناثرة تتمتع بسلطات ونفوذ أكبر من الدولة نفسها؟ ولبنان تلك الدولة الصغيرة التى تطل على البحر المتوسط تبدو وكأنها تتمزق كقطعة القماش، فهذا الاسبوع اندلعت اشتباكات مسلحة بين السنة والعلويين فى شمال مدينة طرابلس أسفرت حتى الآن عن إصابة عشرات الجرحى وأودت بحياة سبعة أشخاص، وفى ضواحى بيروت الجنوبية التى يقطنها أغلبية شيعية، نزل الأهالى إلى الشوارع غاضبين بعد ان تردد على أسماعهم أنباء تفيد بأن أعضاء حزب الله الذين اعتقلوا على أيدى الثوار السوريين قتلوا أثناء الغارة الجوية التى شنها نظام بشار، بينما قامت قبيلة شيعية أخرى تتسم بالقوة بالعديد من عمليات الاختطاف التى تستهدف السوريين والاتراك وعرب الخليج كوسيلة ضغط للافراج عن أحد أفرادها الذين اعتقلوا فى دمشق.
ويعد هذا الاسبوع سيئاً للغاية، وفقاً للمعايير الليبرالية للاضطرابات المدنية بلبنان، وكانت العديد من علامات الاستفهام تدور حول مصير حزب الله، الجماعة الشيعية المسلحة والحليف القوى للرئيس السورى بشار الأسد، وسط هذه الأحداث الدرامية، وادرك الرجال ذوو العقل المدبر لحزب الله ان النظام السورى يلفظ أنفاسه الأخيرة فبدأوا فى إعداد ساحة المعركة فى لبنان احتساباً لحدوث أى شئ بعد سقوط الأسد.
حزب الله ليس ـ فقط ـ أقوى ذراع سياسية وعسكرية فى لبنان بل يمثل السلطة الوحيدة الفعالة بالبلاد، فلماذا يدعم الطائفة السياسية الوحيدة المتماسكة من قبل منظمة عسكرية تضع البلاد فى وضع مخز غير آمن عسكرياً؟ يعود الوضع العسكرى المضطرب فى لبنان إلى سوريا، فنظام الأسد ينهار تدريجياً ربما ليس بشكل واضح وبالتأكيد ليس بطريقة سلمية ولكن لا يبدو هناك أى وسيلة أخرى للنجاة أمام النظام السوري، رغم القصف الوحشى من قبل الجيش السورى ضد المتمردين، الا ان قوة وعزيمة الثوار تتزايد يوماً بعد يوم، وأشاد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله بنظام الأسد فى الخطاب الذى ألقاه الشهر الماضي، حيث انه المؤيد العسكرى الحقيقى للمقاومة وأشار إلى انه خلال حرب حزب الله مع إسرائيل عام 2006 كانت الصواريخ السورية تطلق على حيفا ووسط إسرائيل.
ونظراً لترابط العلاقات السياسية بين سوريا ولبنان، فان سقوط الأسد يمثل تهديداً على قوة حزب الله وخلال مشاركة النظام السورى لعقود طويلة فى السياسة اللبنانية، فان النظام على يقين ان هناك فصيلاً مؤيداً لسوريا فى شتى الطوائف الدينية بلبنان، حتى السنة والسلفيين الكارهين لنظام دمشق العلماني، كان بينهم قادة مثل الشيخ ماهر حمود فى صيدا معقل السنية يدعم النظام السورى حتى ان البعض فى لبنان أشاع ان الأسد يمنحه راتباً شهرياً.
وفى مقابل دعم المصالح السورية، حصلت هذه الطوائف المهمشة على مراكز سياسية فى لبنان ونتيجة لذلك فان هناك فئة سياسية بالكامل ينتابها الذعر والهلع فى بيروت حيال دعم الأسد المالى والسياسى والعسكري.
رغم ان لبنان فى أمس الحاجة إلى حماية النظام السورى فإنها فى حاجة أيضاً إلى الاستقرار السياسى نوعاً ما فى لبنان لحماية حدودها الخلفية، حيث نفد صبر الشيعة بلبنان خاصة بعد أن تردد حزب الله فى الرد على عمليات الاختطاف التى تستهدف افرادهم فى سوريا.
اعداد – نهى مكرم
المصدر: فورين بوليسي






