اختار الرئيس المصرى محمد مرسى أن يزور إيران بدلاً من أن يرسل مبعوثاً واقتراح انعقاد قمة رباعية إقليمية من أجل إنهاء الصراع فى سوريا تشارك فيها إيران وليس الولايات المتحدة أولى خطواته المهمة على طريق سياسته الخارجية.
مرسى يكاد يكون قد أعلن صراحة استقلاله عن سياسة الولايات المتحدة، ولكن ينبغى على البيت الأبيض أن يهدأ لأن ذلك بكل بساطة من الممكن أن يكون بمثابة طوق النجاة لواشنطن التى تسعى لإنهاء أزمة سوريا.
ويعد إشراك جميع الدول الإقليمية المهمة فى حل الأزمة أول إجراء من جانب مرسى ليضع يده على التهديد المحورى الذى كان يعرض المصالح الأمريكية للخطر على مدار السبعة عشر شهراً الماضية بسبب المواجهة الآخذة فى الاتساع بين السنة والشيعة فى جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ولكن البيان الذى ألقاه الرئيس المصرى أثار قلق واشنطن من جديد بشأن فقدان الولايات المتحدة لنفوذها فى المنطقة، خاصة أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما سحب قواته من أفغانستان بعد رحيله من العراق، فضلاً عن امتناعه عن تلبية رغبة إسرائيل بتوجيه ضربة جوية للمنشآت النووية الإيرانية ورفضه التدخل العسكرى فى سوريا، كما أن كون مرسى ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين لا يهدئ من روع تلك المخاوف.
من الضرورى أن تهدأ واشنطن وأن يتوقف الأمريكيون عن القلق، لأنه مازال لديهم قدر كبير من النفوذ فى الشرق الأوسط، فدعم مصر فى اتخاذها تلك المبادرة سوف يكون نوعاً من الذكاء الدبلوماسى، كما أنه يعزز من مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة، فضلاً عن تقوية العلاقات الهشة مع الحكومة الجديدة فى القاهرة.
وكان قرار مرسى، أول رئيس مصرى يزور إيران منذ ثورة 1979 بمثابة دعم للنظام الإيرانى، إلا أن الكلمة التى ألقاها يوم الخميس الماضى فى مؤتمر عدم الانحياز لم يكن يرغب مضيفه فى سماعها، حيث قال إن قادة سوريا حلفاء إيران المقربين فقدوا شرعيتهم، وأن القوى الخارجية أصبح على عاتقها واجب أخلاقى للتدخل من أجل مساعدة الشعب السورى من التحرر من النظام القمعى، مما أدى إلى انسحاب الوفد السورى من القمة.
ومن المحتمل أن يعيد اقتراح مرسى كلا من مصر وإيران والمملكة العربية السعودية وتركيا إلى طاولة مفاوضات واحدة لوضع حد لإراقة الدماء السورية مع ذلك الشرط الجلى بضرورة ترك الأسد للسلطة، وتلك المبادرة تعيد إلى مصر دورها الرئيسى فى العالم العربى الذى كانت تتمتع به فى ظل حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وبدأ يتلاشى منذ تنازلت عنه للمملكة العربية السعودية وقطر.
ورغم أن هذه القمة الرباعية ليست بعيدة عن الفشل، نظراً لأن كلاً من الأسد والمعارضة السورية ينتوى بكل وضوح أن يحاربا حتى آخر نفس، وهناك دلائل قوية على وجود قوات الحرس الثورى الإيرانى داخل سوريا، فى حين أن السعودية وقطر تمولان وتسلحان الجيش السورى الحر، كما ضغطت تركيا من جانبها على الأمم المتحدة لتوفير مناطق آمنة للاجئين داخل سوريا مما سيتطلب تدخلاً عسكرياً، كل هذه الأمور لا تبشر بالوصول إلى أى اتفاق.
ولكن نفس هذه العناصر الطائفية تعلم جيداً أهمية جهود مرسى لجلب سنيى وشيعيى المنطقة لمائدة تفاوض واحدة، نظراً لتطور الأحداث خاصة مع النظرة المتشائمة لما سيقع فى أعقاب انتهاء النزاع، لأنه ليس من المرجح أن ينتهى القتال فى سوريا أو خطر تدفقه إلى باقى دول المنطقة بمجرد انتصار أحد طرفى النزاع فى دمشق، وجميع الدول المحيطة لديها مصلحة مشتركة فى منع ذلك من الحدوث بما فى ذلك الصين وإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة.
قد لا تنجح خطة مرسى ولكن لا ينبغى على الولايات المتحدة أن تحبط هذه المبادرة، فقد تجنى الثمار منها، ونظراً لأن جميع المحاولات الأخرى فى سوريا لم تكن مجدية، فمن الصعب أن تسبب تلك الجهود المصرية فى الوساطة الإقليمية أى أذى لواشنطن.
اعداد: نهى مكرم
المصدر: وكالة بلومبيرج






