تتراجع البنوك الاستثمارية فى كل مكان تقريباً حول العالم، وهو قطاع كان يقدم فى وقت من الأوقات فرصاً للبنوك لتحقيق أرباح كبيرة والتوسع دولياً.
وبدأت البنوك الاستثمارية فى الانسحاب التدريجى من الأسواق منذ 2010 مع تفاقم الأزمات المالية العالمية، فالرسوم المدفوعة للبنوك للتداول فى أسواق رأس المال، بالإضافة إلى رسوم الاستشارات لعمليات الاستحواذ ومبيعات الأسهم والسندات تتراجع منذ سنوات، وتحول هذا الانسحاب إلى هزيمة.
واتخذت شركة «نومورا» اليابانية قراراً جريئاً عندما اشترت أعمال ليمان براذرز فى أوروبا وآسيا عام 2008، وهو ما أدى إلى توقف نشاطها الاستثمارى عالمياً، وقال أحد المديرين فى بنك كبير إن هذا التوسع الأجني كان خطأ.
وهناك بنوك أخرى تنسحب بقوة، حيث يخطط بنك «دويتشيه» الألمانى لتخفيض عميق لنشاطه الاستثمارى الذى يعزا إليه الفضل الأكبر فى نموه، كما يقال إن «باركليز» يدرس تقليص البنك الاستثمارى الذى يتبعه إلى الخمس، وهو بذلك يعكس توسعه الذى امتد عقداً فى هذا النشاط ساهم فى أكثر من نصف أرباحه الإجمالية.
ويذكر تقرير لمجلة «الإيكونوميست» أن كلا من «باركليز ودويتشيه» يخفضان من مستويات الأرباح المستهدفة من الأسهم، وهناك سببان رئيسيان للهبوط الحاد فى ربحية البنوك الاستثمارية الأول تراجع نشاط العملاء وانخفاض الدخل من تداول السندات نتيجة تباطؤ الاقتصادات والاضطرابات فى أوروبا، وهو ما دفع المؤسسات الاستثمارية إلى الإحجام عن التداول والشركات من شراء سندات بعضها.
وتراجع إصدار الأسهم عالمياً بحوالى 30% فى السبعة أشهر الأولى من العام الجارى، مقارنة بالعام الماضى، أما إصدار السندات فقد تراجع 8%، طبقاً لبنك «ميديوبانكا» الإيطالى.
ويقدر «دويتشيه» انخفاض إيرادات البنوك الاستثمارية بنحو الثلث منذ 2009 أى عند مستوى 240 مليار دولار.
أما السبب الثانى، فهو أن القوانين التنظيمية لرأس المال والسيولة أصبحت عائقاً وتقلل أرباح البنوك، وتجبرهم على تقليص ميزانياتها وتخفيض نشاطها التجارى.
ومع ذلك ليست نظرة الجميع تشاؤمية، ويرى بنك «جى بى مورجان» أن وضع البنوك الاستثمارية لم يكن فى مثل هذه القوة من قبل، ولكن معظم البنوك الأخرى فقدت حماسها والنتيجة الأكثر وضوحاً لذلك هى حجم الضحايا، حيث تقدر شركة «CEBR» الاستشارية أن القطاع المالى بلندن سوف يفقد حوالى 100.000 وظيفة بنهاية العام الجارى، كما قال المراقب المالى بنيويورك إن عدد العاملين بوول ستريت تراجع بمقدار 20.000 وظيفة منذ الأزمة، كما أن القطاع يعيد تشكيل نفسه، فعدد البنوك الاستثمارية المستقلة فى تناقص، وتنمو فكرة البنوك العالمية التى تجمع بين الاستثمارية والتجارية والتجزئة وهى متنوعة وتستطيع الحفاظ على درجة تصنيف أعلى وتقترض بأسعار أرخص من البنوك المخصصة مثل «مورجان ستانلى» و«جولدن مان ساكس».
ومع ندرة القروض تطلب هذه البنوك من عملائها أن يكون لديهم تعاملات مصرفية استثمارية أكبر مقابل تقديم القروض.
أما التحول الثانى الذى تشهده خريطة البنوك الاستثمارية وهو انخفاض عدد البنوك متوسطة الحجم، حيث إن كبيرة الحجم هي ما تجذب أكبر حصة من إيرادات التداول، ويرجع هذا جزئياً لقدرة الحيتان على شراء أفضل أنظمة التداول.
وتتساءل مجلة «الإيكونوميست» إذا كان هذا التحول سيشمل انتقال مركز هذا القطاع من لندن إلى وول ستريت وآسيا، ورغم تمتع لندن بقوانين ولغة يتحدث بها معظم سكان الأرض فإن البنوك الأمريكية والآسيوية لديها قاعدة ودائع تسمح لها بالتوسع دولياً، وهذا ما لا تمتلكه البنوك الأوروبية.
اعداد – رحمة عبد العزيز