بقلم : عمرو حمزاوي – الوطن
ليس لدى الأحزاب والتيارات السلفية فى السياسة والانتخابات إلا بضاعة واحدة يروجون لأنفسهم بها ويصلون عبرها إلى مواقع التأثير فى السياسة وإلى المقاعد البرلمانية، بضاعة تفزيع المصريات والمصريين من خطر متوهم هو مخالفة الشريعة وربطه بالقوى السياسية المناوئة للسلفيين. بالبضاعة هذه نجح السلفيون فى محطات انتخابية متعددة وأسسوا، وهم البعيدون تقليدياً عن العمل السياسى والرافضون للخروج على الحاكم إلى أن أطاحت به الثورة، أحزاباً سياسية مؤثرة، وبالبضاعة ذاتها يضغط السلفيون الآن على عملية وضع الدستور ويباعدون بين النص الدستورى وبين حماية الحقوق والحريات الشخصية والعامة وبناء الدولة والمجتمع الديمقراطيين.
جوهر بضاعة السلفيين السياسية والانتخابية والدستورية، التفزيع من مخالفة الشريعة، هو خطر متوهم، فالنص فى الدستور على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع (منذ 1980) يعنى انتفاء إمكانية تمرير قوانين تخالف الشريعة، والبيئة السياسية والمجتمعية المعاصرة جعلت من النص عنواناً لتوافق وطنى واسع ومكنت أيضاً من البحث عن مساحات دستورية وقانونية وسياسية تدعم الحقوق والحريات والمساواة بين المرأة والرجل ووضعية غير المسلمين فى إطار الالتزام بمبادئ الشريعة كالمصدر الرئيسى للتشريع. لم تكتشف مصر الشريعة ومركزيتها فى الدستور مع السلفيين وضغطهم المستمر بالجمعية التأسيسية لإضافة أو حذف صياغات بعينها على نحو جعل من مسودة
الدستور الحالية نصاً مشوهاً، تماماً كما لم نكتشف هويتنا بروافدها الإسلامية والعربية مع المتاجرين بالهوية فى السياسة أو بالدين فى الانتخابات.
وواقع الأمر أن وراء تفزيع السلفيين من خطر مخالفة الشريعة رؤية شديدة الرجعية للدين وللحقوق وللحريات الشخصية والعامة، وكذلك فهم قشرى لإشكاليات السياسة والمجتمع فى مصر. الانتقاص من حقوق وحريات المرأة ورفض المساواة بينها وبين الرجل، الانتقاص من حقوق غير المسلمين السياسية (استبعادهم من مناصب الولاية العامة) ومن الحريات الدينية لغير أتباع الأديان السماوية، عدم إدراك مركزية حقوق الطفل لمجتمع سليم والاستخفاف بجرائم كالاتجار بالبشر وتزويج القاصرات، كل هذه مضامين كارثية لرؤية للدين وللمجتمع وللمواطن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتحيطنا بسياج من التخلف والتسطيح، أما قضايانا الحقيقية التى ينبغى أن تجد طريقها إلى الدستور، قضايا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم ونظام سياسى لا يطغى عليه مجدداً الرئيس الفرعون، فلا حديث عنها من قِبل السلفيين ولا إسهام لهم بشأنها.
بضاعة السلفيين التفزيعية، وفضلاً عن انتفاء صدقيتها بسبب الطبيعة المتوهمة لخطر مخالفة الشريعة، تلحق اليوم ضرراً بالغاً بعملية وضع الدستور تماماً كما ألحقت بنا أضراراً بالغة فى استفتاء التعديلات الدستورية (الذى تحول إلى استفتاء على الشريعة) وفى الانتخابات البرلمانية التى أعطت لقوائم السلفيين من المقاعد ما يفوق إمكاناتهم البشرية والسياسية.
فقط أرجو أن لا ينخدع المواطن الحريص على دينه مجدداً ويسقط فى مصيدة التفزيع البائسة، فالشريعة مصونة فى مصر، والتحدى الآن هو حماية الحريات والالتزام بالمواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان (البيئة الدولية لوضع الدستور) وبناء ديمقراطية حقيقية تضمن سيادة القانون وتداول السلطة ومحاسبة الرئيس.