بقلم – عماد الدين حسين
لو أن جريمة منع الاحتفال الغنائى فى محافظة المنيا مساء الأحد الماضى مرت من دون عقاب صارم، فقد لا نستبعد أن تهاجم مجموعة من السلفيين المتطرفين أى احتفال للإخوان المسلمين، بحجة أنهم يخالفون شرع الله أو يهادنون الليبراليين والعلمانيين.
الحفل الذى نظمه فريق «قلب مصر» حصل على كل الموافقات الإدارية والأمنية اللازمة، بل إن محافظ المنيا الإخوانى، كان مدعوا للحفل، فهل يمكن لعاقل أن يتصور قيام مجموعة من الذين يريدون التبشير بالمسيحية أو حتى البوذية بالعمل فى هذا الوقت؟.
قد يكون هناك نشاط تبشيرى فى مصر، لكن المؤكد أن أصحابه أكثر ذكاء بحيث لا يمارسون عملهم علنا.
عندما يتحجج بعض أنصار الحركة السلفية أو الجماعة الإسلامية بأنهم سمعوا أن الحفل تبشيرى ولذلك تظاهروا فأغلب الظن أننا ننجرف إلى الهاوية بلا قرار.
إذا كانوا قد «سمعوا» وفعلوا ما فعلوه، فماذا سيحدث عندما يكونون «متأكدين» أنه تبشيرى فعلا؟!. ثم لنفترض جدلا أن الحفل تبشيرى، فمن الذى أعطى هؤلاء الحق فى تنفيذ القانون بيدهم؟!.
الكارثة الأخرى هى تصرف أجهزة الأمن، حيث لم تستطع حماية الحفل الذى سمحت بإقامته، ورضخت لضغوط هذه الفئة المتطرفة، وطلبت من المنظمين إلغاء الحفل الذى كان قد بدأ بالفعل احتفالا بعيد الأضحى وبمشاركة أربعة آلاف مواطن مسلم ومسيحى تحت شعار «فى حب مصر».
هل خشى الأمن فعلا من اشتباكات دامية إذا استمر الحفل، أم قرر «الصهينة» ليبعث لنا برسالة خلاصتها: «هذه هى نتيجة الثورة وهذه هى عينة من مصر المستقبل.. فاشربوا»!.
المنيا صارت واحدة من أكثر مناطق الاحتكاك الطائفى، وعندما يتجمع شباب مسلم ومسيحى لتنظيم احتفالات ترفع شعارات «حب الله.. والوطن والغناء»، فالطبيعى أن يشجعهم كل مخلص لهذا الوطن أو على الأقل لا يعتدى عليهم، وعندما يقدم البعض على منع هذا الحفل فرسالتهم هى أننا لن نسمح لأى تقارب بين المسلمين والمسيحيين وهدفنا أن تظل الفتنة مشتعلة.
من حق بعض المتطرفين أن يؤمنوا بما يشاءون، لكن من واجب الدولة أن تقول لهم إنها الوحيدة التى يحق لها ممارسة العنف المنظم والقانونى.
السياق العام الطائفى فى الفترة الأخيرة لا يبشر بأى خير، ويمكن لأى مراقب أن «يشم» روائح طائفية كريهة تنبعث من أكثر من مكان.
فى كل يوم يكسب المتطرفون أرضا جديدة، ويفرضون منطقهم الخاص، وفى المقابل لا أحد «يشكمهم» ويقول لهم «الدولة هنا».
والغريب أن الدولة لم تعد تلك التى كانوا يقولون إنها «كافرة» أيام مبارك، فرئيسها الحالى إخوانى ومن يدعمه هم السلفيون، وبالتالى لا توجد حجة للخروج على الحاكم حتى بمنطقهم المتطرف.
لكن المشكلة أن مثل هؤلاء لا منطق لها ودليل ذلك ما قاله لـ«الشروق» أمس الشيخ أحمد عشوش القيادى فى السلفية الجهادية: «نحن لا نعترف بشرعية مرسى وندعوه للتوبة، لأنه لم يعلن حاكمية الكتاب والسنة، ونطالبه بنبذ الحكم بالدستور والقانون»!.
إذا كان هذا رأيهم فى الرئيس الشيخ محمد مرسى، فماذا كان سيكون رأيهم فى أحمد شفيق أو خالد على؟!.
مرة أخرى ـ ويبدو للأسف انها لن تكون الأخيرة مطلوب من الرئيس مرسى والدكتور هشام قنديل واللواء أحمد جمال الدين إبداء أكبر قدر من الحسم مع هذا التدمير المنظم للوطن وللمواطنة.
يا أيها الرئيس، ويا أيتها الحكومة، غالبية الشعب معكم وخلفكم فى التصدى لهذه الأعمال الإجرامية، لو طنشتم أو اعتقدتم أنها أعمال فردية وستمر، فلا تلوموا إلا انفسكم، وعندما يطرق غول التطرف غرف نومكم، فلا تندهشوا أو تنصدموا، وتذكروا أنه تم تحذيركم.








