قلصت الشركات من ميزانياتها فى كل ما يتعلق بأعمالها بداية من خدمات الاستشارات التكنولوجية إلى معدات أشباه الموصلات فى مواجهة أربعة مخاوف أولها: أزمة منطقة اليورو ثم الانتفاضات فى الشرق الأوسط والثالث الركود المحتمل فى الصين والأخير صحة الاقتصاد الأمريكى خاصة مع ضرورة اتخاذ الكونجرس لقرار برفع الضرائب وتخفيض الإنفاق قبل نهاية العام، فيما يعرف بـ«الهاوية المالية».
ورغم أن هذه المشكلات ليست بجديدة، وارتفعت فى ظلها الاستثمارات بشكل مطرد منذ انتهاء الركود، ولكن لم تصعد بقدر الأرباح، ففى أمريكا على سبيل المثال ارتفعت قيمة الإنفاق الرأسمالى الاسمى العام الجارى 6%، مقارنة بعام 2007، كما زادت التدفقات الداخلية 32%.
وتحولت الشركات إلى مورد صافى للأموال لباقى الاقتصاد منذ 2008 بدلاً من الاستهلاك، وذكرت وكالة أنباء «رويترز» أن شركات مؤشر «ستاندرد آند بورز» كانت تحمل حوالى 90 مليار دولار من النقدية بنهاية يونيو الماضى، وهو مقدار أقل بقليل من العام الماضى، ولكنه أعلى 40% من 2008.
ويقول رجال الأعمال والنقاد إن تراكم النقدية دليل على أن القوانين التنظيمية المزعجة من الفيدرالى والضرائب المرتفعة على الشركات تدفعهم إلى الاحتفاظ بالسيولة، وهو ما يحبط الاستثمار.
ويذكر تقرير لمجلة «الإيكونوميست» أن هذا لا يفسر تفشى هذه الظاهرة حول العالم، فالأصول السائلة بالشركات اليابانية ارتفعت بحوالى 75% منذ 2007 لتصل إلى 2.8 تريليون دولار طبقاً لشركة «آى إس اى» للسمسرة. وواصلت المخزونات النقدية النمو فى بريطانيا وكنداً أيضاً إلى درجة أحبطت صناع السياسة هناك، ووصف محافظ بنك كندا المركزي مارك كارنى النقدية التى تحتفظ بها الشركات الكندية وتصل إلى 300 مليار دولار بـ«الأموال الميتة»، كما حث الشركات على استخدامها فى العمل، وإذا لم يكن لديها فكرة فيما تستثمرها فعليها ردها للمساهمين.
ولا يوجد هناك عامل واحد يمكنه تفسير ارتفاع مدخرات الشركات، فبنك إنجلترا المركزى يشير إلى أن شركات الموارد الطبيعية تحتفظ بحصص مختلفة النقدية، وهو ما يفسر الارتفاع فى أسعار السلع وندرة المصادر الجديدة للموارد.
وذكرت شركة «بى سى إيه» للأبحاث أن انخفاض أسعار الفائدة، قلل تكاليف الاقتراض، وهو ما أضاف حوالى نقطة مئوية لهامش أرباح الشركات.
ورغم أن أسعار الفائدة المنخفضة تحفز الشركات على عدم إنفاق ما لديها من السيولة، فإن الأزمة المالية دفعت الشركات أكثر إلى عدم الاعتماد على البنوك وأسواق الأوراق المالية فى الحصول على أموال، وأصبحت تعتمد على مخزونها من النقدية.
فى الوقت الذى أثيرت تساؤلات حول قدرة الذراع التمويلية لجنرال إليكتريك على تمويل الشركة فى 2008، كانت العملاقة تخزن نقدية وصلت إلى 85 مليار دولار بنهاية الربع الثالث، وكان هذا أكبر ما احتفظت به شركة على الإطلاق فى مؤشر «ستاندرد آند بورز».
وانعكاس هذا الاتجاه غير محتمل، لأن ارتفاع مدخرات الشركات ذا جذور أعمق من الأزمة وارتفاع أسعار السلع أو حتى دورة أسعار الفائدة، فقد أثبتت دراسة حديثة أجراها لوكاس كاراباربونيس وبرينت نيمان من جامعة شيكاغو على 51 دولة فى الفترة بين 1975 و2007، أن مدخرات الشركات ارتفعت 20%، وأنه فى الدول التى صعدت فيها مدخرات الشركات انكمشت حصة العمالة من الناتج المحلى الإجمالى فى القطاع بحوالى 5% من المجمل.
ويربط لوكاس وبرينت ارتفاع مدخرات الشركات وحصة العمالة من الناتج المحلى الإجمالى بالانخفاض النسبى فى أسعار البضائع الاستثمارية، وهذا التراجع يعود إلى هبوط تكاليف الحاسب الآلى أو تحول شركات تصنيع البضائع الرأسمالية إلى الدول النامية ذات الأجور المنخفضة أو كليهما.
وأيا كان السبب فقد اتجهت الشركات إلى التحول من استخدام العمالة إلى رأس المال، ولتمويل هذه الاستثمارات بدأت الشركات فى زيادة مدخراتها بشكل مطرد، ومع ذلك، فقد انخفضت مدخرات الشركات منذ 2007، ربما بسبب ارتفاع مدخرات الأسر، كما أن الحاجة للادخار تراجعت قليلاً مع تباطؤ الاقتصاد العالمى.
ورغم ذلك من غير المرجح أن تهجر الشركات اتجاهها الاقتصادى فى المستقبل القريب، بل إن انخفاض ضرائب الشركات دعم الإقبال على رؤوس الأموال على حساب العمالة.
اعداد – رحمة عبدالعزيز








