بقلم : عماد الدين حسين – الشروق
من العبث أن تبدأ الاحتجاج السياسى ضد السلطة ــ أى سلطة ــ بالعصيان المدنى، إلا إذا كنت واثقا مليار فى المائة من وقوف معظم الشعب معك فى أفكارك وتوجهاتك ومطالبك.
العصيان المدنى هو الوسيلة الأخيرة، بعد أن تتأكد تماما من فشل كل الوسائل السابقة عليه.
فى النضال السياسى تبدأ برفع المطالب وتقديمها لمن يهمه الأمر، ثم تفاوضه مرة واثنتين وثلاثا وعشرا، وإذا فشل ذلك تتظاهر، ثم تعتصم، ثم تضرب عن العمل وبعدها يمكنك ان تضرب عن الطعام، وأخيرا تعلن العصيان المدنى المتدرج وصولا إلى الشامل.
أما أن يتحدث البعض عن العصيان المدنى بعد نحو عشرة أيام فقط من اندلاع الأزمة، فإن الأمر يبدو غريبا.
علينا أن نتحدث عن ترشيد المصطلحات كى تعبر عن الواقع.
فى هذا الصدد لا ينفع إطلاق وصف «الإنذار الأخير» على مسيرة الثلاثاء، لأنه إذا لم تستجب السلطة لهذا الإنذار مثلا، وتم تنظيم مسيرة أخرى بعد أيام فماذا سنطلق عليها؟!
إذا أرادت المعارضة أن تكون جادة فعلا، فعليها أن تلتزم بخطاب سياسى واقعى، لا يحلق بأجنحة الخيال عاليا، حتى إذا تأخر تحقيق الأهداف أو تعثر، فلا يصاب أنصارها بخيبة أمل كبيرة.
أتفق مع قادة جبهة الإنقاذ المعارضة، فى أن خلافهم مع مرسى ــ حتى الآن ــ بسبب الإعلان الدستورى، ومسودة الدستور، ولكنهم لا يسقطون شرعيته. مرسى حتى هذه اللحظة هو الرئيس المنتخب انتخابا حرا، حتى لو لم يعجب هذا الأمر كثيرين.
وبالتالى فتغييره أو إسقاطه ينبغى أن يكون إما عبر صندوق الانتخابات، أو حشود جماهيرية كاسحة مثل تلك التى احتشدت طوال ثورة 25 يناير وأجبرت حسنى مبارك على الرحيل.
وحتى هذه اللحظة فإن هناك فارقا كبيرا بين التيار الدينى والحزب الوطنى المحروق، فالأخير تبخر فى لمح البصر، لأن عضويته كانت إما صورية أو للمنفعة فقط، فى حين أن التيار الدينى يمتلك تنظيما حقيقيا على الأرض، وظل محافظا على بنيته أثناء قمع مبارك، بطرق مختلفة وبالتالى يصعب تصور انهياره فجأة الآن وهو يمسك بالسلطة للمرة الأولى فى تاريخه وتحت يده إمكانات مادية هائلة.
العصيان المدنى يحتاج وجودا ماديا كبيرا للمعارضة داخل الشارع المصرى وفى القرى والنجوع والبنادر والمدن، وهو أمر يصعب القول إنه موجود فى هذه اللحظة بقوة، لأنه لو كان موجودا لتمت ترجمته فى مقاعد داخل البرلمان؟!
هل تغيرت الخريطة السياسية بين عشية وضحاها منذ آخر انتخابات برلمانية وحتى الآن؟!
لا أدعى المعرفة الكاملة، لكن على المعارضة أن تبرهن أولا ــ قبل الشروع فى العصيان ــ على قدرتها الفعلية على الحشد الجماهيرى المنظم والمستمر قبل أن تتحدث عن العصيان. ثم إن هناك مشكلة كبرى هى أن جزءا من عموم المصريين أصيب بالإحباط الشديد من جراء تعثر الثورة، وبالتالى فإن ذلك قد يضرب العصيان فى مقتل.
تقديرى المتواضع هو أن المعارضة الراهنة لو تمكنت من إقناع السلطة بإلغاء الإعلان الدستورى، من جهة وإقناع المواطنين البسطاء بالتصويت ضد الدستور، فإنها تكون قد أنجزت عملا كبيرا.
على المعارضة تذكر أن البعض رفع مطلب العصيان المدنى قبل شهور، أثناء حكم المجلس العسكرى، لكن الأمر فشل فشلا ذريعا، وبالتالى فإن التهديد بسلاح وعدم استخدامه يكلفك كثيرا.








