أرجع العاملون فى ورش ومصانع بناء سفن ومراكب الصيد التدهور الذى يعانيه هذا القطاع إلى الفساد، الذى تملك المحليات خلال العقود الأخيرة، حيث مارست الأجهزة المحلية كل أنواع المضايقات لدفع أصحاب هذه الصناعة على هجرتها، حتى يسارع رجال الأعمال إلى وضع أيديهم على الأرض الكائنة على شواطئ البحيرات المختلفة.
جريدة «البورصة» انتقلت إلى برج البرلس، التى كانت منذ فترة قريبة أحد أهم مراكز بناء السفن ومراكب الصيد فى مصر، لكن المفاجأة عندما وجدت الأمر على غير حاله، فتدهور بحيرة البرلس دفع الصيادين إلى التوقف عن الصيد، ومن ثم تراجع الطلب بشكل حاد على مراكب وسفن الصيد، وأصبح بناء المراكب يتم بصورة موسمية.
ووجدت فى جولتها شيوخ المهنة ينعون حظهم ويصبون غضبهم على الفاسدين ممن تولوا أمور المحليات السنوات الأخيرة، ومما هدد بدوره عرش عائلات صناعة السفن المشهورة فى كل المحافظات الساحلية الذين ورثوا هذه الحرفة عن آبائهم، ويحرصون على تورثيها إلى الأبناء مثل عائلات القصاص وقفاط فى برج البرلس وأبو شوشة والشهاوى والطرابيلى فى دمياط وعائلات معروف وجاد الله والطنطاوى ولحمة ومعيلقة فى رشيد.
قال أشرف الطوبجى، مدير العلاقات العامة بمركز ومدينة بلطيم إن منطقة البرلس بها 8 ورش لتصنيع المراكب بمختلف الأحجام بدءاً من 12 متراً طولاً إلى 32 متراً، وتختلف تصميم كل منها حسب المقاس، ونوع الصيد، حيث إن بعضها يسمى مركب الشنشلا وهو يقوم بالصيد على عمق 5 أمتار تقريباً، وهو النوع الذى يعمل فى البحر حتى آخر حدود المياه الإقليمية ويتحمل البقاء به لثلاثين يوماً وحمولته 100 طن تقريباً ويعمل عليه 50 صياداً.
وأضاف أن النوع الاخر من المراكب يسمى بالسنار وحجمه أقل من الشنشلا، حيث يتراوح من 12 إلى 20 متراً، ويصطاد على عمق 5 أمتار، ويعمل أيضاً فى البحر، فيما يستخدم النوع الثالث من المراكب، وهو صغير جداً فى الصيد ببحيرة البرلس وكل ورشة من هذه النوعية يمكنها إنتاج 10 مراكب سنوياً.
فيما يبلغ عدد الورش فى رشيد 50 ورشة تقريباً و11 ورشة فى عزبة البرج بدمياط، وتبلغ عدد الورش بالإسكندرية 45 ورشة، وأغلبها متمركزة فى منطقة الأنفوشى وهى تشتهر بصناعة سفن الصيد واليخوت السياحية أيضاً.
وأكد عبدالمجيد القن، شيخ الصيادين ببلطيم أنه من أهم الأسبب التى أدت إلى تراجع نشاط بناء مراكب الصيد هو التعدى الخاشم على أراضى الدولة ومن بينها بحيرة البرلس التى تعانى أصلاً انهيار النظام البيئى لها من قبل صيادين الزريعة «السمك الصغير»، بالإضافة إلى التعدى على 210 أفدنة من البحيرة، مما أدى إلى توقف الصيد بها تماماً.
وأشار إلى أن صناعة مراكب الصيد كانت منذ آن قريب توفر الآلاف من فرص العمل للشباب وكانت أهم ما تتميز به منطقة البرلس، ولكن المشكلة الرئيسية لأهالى بلطيم والبرلس هو عدم إصدار مجلس المدينة لرخص تشغيل الورش رغم التزامنا كصناع بكل الاشتراطات المطلوبة لهذه الصناعة.
من جانبه، لخص عبدربه الجزايرلى، شيخ الصيادين ببحيرة البرلس، مأساة العاملين بصناعة المراكب، قائلاً: إن النشاط تراجع بمعدل 70% نتيجة تراجع الصيد فى أعالى البحار وأمام سواحل إريتريا والصومال واليمن وليبيا ومنع إصدار تصاريح الصيد، بالإضافة إلى صدور قرارات بوقف الصيد داخلياً فى البحيرة وعلى السواحل فى فترات طويلة من كل عام.
وأضاف أن الوحدة المحلية بقرية البرج بالبرلس تطارد المشتغلين بالصناعة بالمخاطر والغرامات لإزالة المراكب على الشواطئ مع العلم أن صناعة المراكب لا تتم إلا بالقرب من الشاطئ، بالإضافة إلى مضاعفة الأعباء المالية نظير حق الانتفاع.
وأوضح الجزايرلى أنه على الرغم من صدور قرار من محافظ كفر الشيخ السابق اللواء صلاح سلامة بتخصيص أرض الحرفيين التى تقع غرب بوغاز البرلس فى 2003 إلا أن وزير الزراعة السابق أصدر قراراً بالإزالة وتم تحطيم الورش بالكامل وتم إهدار ما قيمته نصف مليون جنيه.
ولفت شيخ الصيادين إلى أن الوحدة المحلية والأجهزة المختصة بالمحافظة منعت توصيل التيار الكهربائى للورش لأنها مخالفة.
وقال حسين أبو شنب، رئيس جمعية صناع السفن بالإسكندرية إن المهنة أصبحت مهددة بالانقراض نتيجة وقف إصدار تراخيص نقل السفن السياحية من الأنفوشى إلى المنيا ومنها إلى شرم الشيخ وغيرها نتيجة عدم وجود أماكن على أرصفة الميناء، بالإضافة إلى منع إصدار تراخيص للصيد.
أضاف أن صناعة اليخوت وسفن الصيد تعتمد فى المقام الأول على الأخشاب، لكن ارتفاع أسعار الأنواع المستخدمة فى صناعة المراكب أدى إلى عزوف الزبائن على تصنيعها، حيث تصل تكلفة الخشب فقط فى بعض السفن إلى 24 ألف جنيه بخلاف المصنعية وأجرة العمال.ـ
دعا المهندس أحمد العقاد، رئيس غرفة ملاحة الإسكندرية وعضو المجلس الأعلى للموانئ، الحكومة إلى الاستفادة من التجربة التركية فى صناعة وإصلاح وبناء السفن من خلال تشجيع القطاع الخاص للدخول فى هذا المجال.
وقال العقاد إن الحكومة التركية شجعت المستثمرين على إقامة عدد كبير من ترسانة لإصلاح وبناء السفن بمنطقة تسمى «خليج توزلا»، وتم إنشاء نحو 50 ترسانة قطاعاً خاصاً، وأصبحت صناعة السفن فى تركيا تساهم بنحو 7% من الدخل القومي، ويبلغ قطر الخليج 2 كيلو متر فقط فى حين أن مصر تمتلك أكبر ممر ملاحى «قناة السويس» غير مستغل فى مثل هذا النشاط.
وأضاف أن مصر لديها 6 ترسانات فقط من بينها ترسانة الاسكندرية والسويس وبورسعيد وجميعها مملوكة للدولة، ومعظمها يركز نشاطه فى مجال صناعة السفن الصغيرة فقط وهذا لا يتناسب مع متطلبات العصر.
وأوضح عضو المجلس الأعلى للموانيء أنه يمكن لمصر الاستفادة من صناعة وبناء السفن من خلال المساحات الشاسعة المتوفرة على سواحلها والسماح للقطاع الخاص بالدخول فى صناعة السفن مع أخذ الضمانات الكافية للعمال، لأن الدخول فى هذا المجال يرتب دخلاً كبيراً قد يفوق دخل قناة السويس.
وأشار إلى أن هناك العديد من المناطق المهمة فى مصر غير المستغلة فى أنشطة إصلاح وبناء الفن يمكنها أن تحقق قيمة مضافة لموارد الدولة مثل منطقة «بلطيم» والتى تطل على سواحل البحر المتوسط وتقع بين رشيد ودمياط.
وأكد العقاد أن «بلطيم» تعتبر موقع استراتيجياً مهماً لأنشطة بناء وإصلاح السفن والصناعات المغذية غير مستغل، وأنه من الضرورى أن تقوم الحكومة بطرح أراض للمستثمرين ببلطيم ومنح تراخيص بناء وإصلاح السفن للقطاع الخاص.
من جانبه أكد مدحت القاضي، رئيس شعبة خدمات النقل الدولى أن الموقع الجغرافى المائى لمصر غير مستغل تماماً نتيجة إهمال وتهميش القطاع الخاص للاستثمار فى الموانئ والمراكز اللوجستية ومراكز بناء وإصلاح السفن.
وشدد على أهمية التركيز على المشروعات الخدمية مثل صناعة النقل الدولى التى تمثل الحلقة المفقودة والفعالة فى خريطة النقل واللوجستيات بمشروع النهضة بالاضافة إلى التركيز على الأنشطة بالنقل البحرى مثل صناعة السفن واليخوت.
وأكد القاضى أن الاستثمارات الخدمية فى قطاع النقل واللوجستيات فى مصر ضعيفة جدا لا تواكب حركة التجارة العالمية وأن عدداً من الدراسات التى أجريت فى هذا المجال توصلت إلى أن مصر تحتاج أكثر من 14 مركزاً لوجستياً يضم كل ما يتعلق بالنشاط اللوجستى من شركات النقل الدولى وحتى الجمارك ومراكز لإصلاح وبناء السفن.
وحول المتطلبات اللازمة لنشاط بناء وإصلاح السفن، أكد الدكتور مصطفى الجمال الاستاذ بقسم الهندسة البحرية وعمارة السفن جامعة الاسكندرية، أن بناء وإصلاح السفن يتوقف على تطوير الترسانات البحرية العاملة فى هذا المجال من خلال تشجيع دخول القطاع الخاص كمساهم أساسى وفعال.
وأشار إلى أن بناء السفن وإصلاحها يتطلب زيادة فعالية وقدرات إدارة التسويق لتحقيق تعاقدات طويلة المدى ورفع مستوى الجودة فى جميع مراحل تصميم وبناء السفينة أو إصلاحها وتطوير ورفع كفاءة عمليات الإصلاح بالترسانة وتنويعها.
وأوضح أنه من الضرورى العمل الجاد على تحقيق الاستغلال الأمثل لجميع نواتج ومخلفات عمليات بناء السفن حيث إن تحقيق ذلك سيؤدى إلى تحقيق عائد يساعد على رفع القدرة التنافسية للترسانة وتوفير حوافز مناسبة وجيدة لجذب الطلاب المتفوقين والمتميزين للالتحاق بقسم الهندسة البحرية وعمارة السفن لتخريج كوادر هندسية ذات مستوى عالٍ تستطيع النهوض بهذه الصناعة المهمة.
وطالب الجمال بضرورة تطوير وتنشيط التشريعات الخاصة بالتعاقدات الداخلية والخارجية توفيرا للوقت والجهد والتكلفة وإنهاء جميع عمليات الشراء فى أقل وقت ممكن خاصة أن معظم مكونات السفينة يتم شراؤها من الخارج.
وأكد أهمية تشجيع وتحفيز وجود صناعات تكميلية مغذية لصناعة بناء السفن، لأن وجود مثل هذه الصناعات المغذية يدعم صناعة وبناء وإصلاح السفن، ويرفع من القدرة التنافسية لها من خلال التعاون أو المشاركة مع إحدى الترسانات الأجنبية المتميزة لتقديم الخبرة والإمكانيات اللازمة لرفع القدرة التسويقية والتنافسية للترسانة من خلال رفع قدرات التصميم والبناء.
وعن صناعة مراكب صيد الأسماك المنتشرة فى منطقة برج البرلس بمحافظة كفر الشيخ ورشيد ودمياط ومنطقة الأنفوشى بالاسكندرية فأشار الجمال إلى أنها لا تحتاج أجهزة خاصة لكونها تعتمد فى المقام الأول على الاخشاب والعمالة المهرة وهى بالتوريث.
كتب – محمد الأطروش