بقلم : عماد الدين أديب – الوطن
المسألة اليوم، ليست الدستور، ولكن تحول التنافس السياسى المشروع الذى تقوم عليه أى تجربة ديمقراطية إلى صراع مرير من التربص والرغبة فى إلغاء كل طرف للآخر.
وفى هذه الأزمة لا أُعطى طرفاً وحده صك البراءة السياسية أو أقصر الخطيئة السياسية على طرف واحد.
إن مشروع الدولة المدنية الوطنية القانونية التى تقوم على أسس الحرية والعدالة الاجتماعية اليوم فى خطر شديد بسبب إخفاق جميع الفرقاء فى إيجاد صيغة مقبولة من كل الأطراف للعبة السياسية.
إذن صياغة الدستور توافقية لمبادئ عامة، أما القوانين فهى تشرع من جانب البرلمان، بناء على الأغلبية العددية.
من هنا فـإن منطق الأغلبية العددية فى لجنة صياغة الدستور هو منطق منافٍ للفقه الدستورى المعاصر.
إذن منطق أغلبية البرلمان لا يصلح لصياغة الدستور، ومنطق توافق الدستور لا يصلح فى التنافس البرلمانى المشروع القائم على غلبة الأغلبية.
من هذه النقطة حدث اللغط وبدأت الأزمة، وظل يتصاعد طوال نصف عام حتى وصلنا إلى سياسة حافة الهاوية التى تتعرض لها الحياة السياسية الآن.
وأسس اللعبة السياسية ينظمها عقد العقود الذى يسمى الدستور.
والدستور فى صياغته لا يقوم على الغلبة العددية، لأن أغلبية اليوم قد تكون أقلية الغد فى ظل نظام ديمقراطى يتم فيه تداول السلطة.
لذلك كله استقر فقهاء الدستور المعاصرون على أن مبادئ الدستور هى قواعد عامة تعبر عن قيم وحقوق وواجبات مستقرة لدى الغالبية العظمى من المواطنين.
واتفق هؤلاء أيضاً على أن يترك للقوانين والمجالس التشريعية المنتخبة تشريع القوانين التفصيلية بناءً على اتجاهات الأغلبية، وحتى أؤكد على ما سبق، تعالوا نرى ماذا تفعل تركيا الآن فى أسلوب تعديل بعض بنود الدستور الحالى؟
استقر الرأى فى تركيا على عمل لجنة تمثل كل الأحزاب الممثلة فى البرلمان، يمثل كل حزب فيها ممثل واحد لديه صوت واحد، يتساوى فيها الحزب صاحب الملايين من الأصوات أو الحزب الذى يمتلك مئات الآلاف!
ذلك كله لأن منطق الدستور هو منطق المشاركة وليس المغالبة.
إن ذهاب الملايين اليوم للاستفتاء فى المرحلة الأولى على مشروع الدستور يتنابه عوار سياسى لا يرجع إلى المحتوى بقدر أن الخلاف منذ اليوم الأول على منطق تركيبة اللجنة التأسيسية للدستور.
إننا الآن أمام قاعدة لا هروب منها وهى قاعدة: «لا إكراه فى الدستور»، حتى لو جاءت نسبة الموافقة بإجماع كل من صوتوا فى كل اللجان وفى كل المراحل.
العبرة ليست بنتيجة الصندوق فحسب، ولكن اقتناع جميع الأطراف باحترام النتيجة النهائية التى صيغت ببدايات غامضة.