بقلم : عماد الدين حسين – الشروق
فى مرات سابقة أشدت فى هذا المكان بتراجع الرئيس محمد مرسى عن بعض القرارات، باعتبار أنه ليس عيبا أن يتراجع أى شخص عن أى قرار إذا ثبت له أنه غير صحيح.
لكن أن يكون إصدار القرار وعكسه، ثم التراجع عنه بعد يوم أو أسبوع هو السمة الرئيسية السائدة فى مصر اليوم، فالأمر لا يستحق الإشادة، بل يستحق الشعور بالقلق والخوف من المستقبل.
عندما يقول شخص بمكانة الدكتور كمال الهلباوى إن «التردد سمة ملحوظة فى كثير من قرارات الرئاسة المصيرية، ويجب التنسيق بين العاملين فيها حتى لا يتكرر مثل هذا التضارب»، فالطبيعى والمنطقى أن تقف مؤسسة الرئاسة عند هذا الكلام مطولا لأن الهلباوى ليس ليبراليا ملحدا، ولا علمانيا كافرا ولا تنويريا منحلا، بل قيادى سابق فى الجماعة، وليس منشقا أو متمردا، لكن الفارق البسيط والجوهرى أنه قرر أن ينحاز إلى عقله وضميره وليس إلى قواعد السمع والطاعة فقط.
حتى ظهر الخميس كان هناك بقية من أمل فى إمكانية انفراج الأزمة والرهان على المستقبل، لكن قرار النائب العام المعين طلعت عبدالله بالتراجع عن استقالته أيقظ كل شياطين اليأس فى روح المتفائلين.
الأمر لا يتعلق بقرار والتراجع عنه، سواء من الرئيس أو من النائب العام وما بينهما من مسئولين. خطورة الموضوع أن العملية صارت «سبهللة»، قرار وعكسه، والأكثر خطورة أن مستشارة الرئيس الدكتورة باكينام الشرقاوى ترى ذلك مدرسة جديدة فى اتخاذ القرارات!!. إذا صح ذلك فستكون المدرسة التى تقودنا إلى الجحيم.
اتخاذ قرار وعكسه، ثم التراجع له آثار سيئة منها إصابة البلد بالشلل، وأن تفقد مؤسسة الرئاسة هيبتها وكذلك المؤسسات الكبرى فى المجتمع، وأن يتجرأ الجميع على الدولة ومؤسساتها.
كل ذلك قد يكون محتملا لفترة، لكن تخيلوا إذا سرنا بنفس المنهج.. أليس واردا أن تتخذ مؤسسة الرئاسة قرارا خطيرا يورط البلد بأكملها بل ويعرض المنطقة لآثار كبيرة.
فى ظل هذه الطريقة من اتخاذ القرارات من دون دراسة وتدبر، وفى ظل غياب مستشارين يقدمون دراسات وافية لصانع القرار، أليس واردا أن يتخذ رئيس الجمهورية قرارا مثلا بإرسال قوات إلى سوريا، لمساعدة الثوار وإسقاط الأسد، أو مهاجمة أثيوبيا لأنها تهدد تدفق مياه النيل، أو إعلان الحرب على إسرائيل التى تعيث فسادا فى المنطقة.
مرسى وقع على قرارات زيادة الضرائب صباحا وتراجع عنها فجرا، لكن إعلان الحرب على أى دولة لا يمكن التراجع عنه لأن المأساة تكون قد وقعت ولا يمكن تداركها.
بالطبع أتمنى أن نستيقظ فى الغد وقد اختفت إسرائيل من الوجود وبالطبع لا أتمنى أن نتورط فى سوريا أو أثيوبيا، لكن أضرب أمثلة لما يمكن أن نتورط فيه مستقبلا فى ظل تخبط القرارات الذى نعانى منه فى الأيام الأخيرة.
اتخاذ القرار الصحيح ليس له صلة بدرجة التدين أو الإيمان بل بدرجة الكفاءة والدراسة والاتقان والعمل والتفكير، وعلينا أن نتذكر أن المسلمين انهزموا فى موقعة أحد لأنهم نسوا قاعدة ذهبية اسمها التأهب والجاهزية حتى آخر لحظة قبل جمع الغنائم، رغم أنهم كانوا يقاتلون مشركين وكفارا وكانت الهزيمة وقتها درسا ربانيا بليغا للمسلمين أفادهم كثيرا فى المستقبل.
أن تتراجع عن قرار خاطئ اتخذته فهذه شجاعة ينبغى أن يحييك الجميع عليها، لكن أن تكون معظم قراراتك خاطئة وتتراجع عنها ثم تتراجع عن التراجع، فالمعنى الوحيد أنك غير قادر على أداء عملك، أو أن من حولك قد ورطوك، وأدخلوك مصيدة يصعب خروجك منها.








