في كتابه الجديد المهم، من الخطورة أن تكون على حق بينما الحكومة على خطأ، يشرح القاضي أندرو نابوليتانو بخبرة متناهية معنى الدستور، ويشرح ببصيرة العارف ما يتمتع به الأمريكان من حقوق طبيعية لا حصر لها، بالإضافة إلى أنه يذكر الأخطاء العديدة التي يتم اقترافها عند اعتماد السياسات التي تواصل إلحاق الضرر بحرياتنا الشخصية والاقتصادية، كنتيجة لتجاهل واشنطن للحدود الدستورية.
لا يزال القاضي أندرو نابوليتانو من أكثر المتحدثين حول الشؤون الدستورية أثناء نشاطات معهد كاتو في واشنطن، وكباقي الباحثين في هذا المعهد، كانت قراءة القاضي للدستور ليبرالية تماما، بالإضافة إلى أنها جعلت ما كان يوما غامضا أكثر فهما. وخلال خطاباته، تحديدا، وضح القاضي بأنه قد تمت كتابة الدستور أولا بهدف منح الشرعية للحكومة الفيدرالية، لكن بعد ذلك، أصبح الهدف من الوثيقة هو الحد بشكل كبير من دور الحكومة الفيدرالية في حياتنا. ولتبسيط ذلك، فإن السلطات الممنوحة للحكومة الفيدرالية في الدستور، هي تلك المذكورة في الدستور فقط، بينما الصلاحيات التي لا يذكرها الدستور تعتبر غير موجودة.
ما يتضح لي، هو أن مآخذ القاضي نابوليتانو على الدستور تتجاوز تقييد الحقوق، فالدستور وجد ليعطي حكومتنا الحق في حماية حقوقنا اللامحدودة كبشر. الحقيقة الأساسية التي يجب معرفتها من الدستور تقول بأننا كبشر أحرار لعمل أي شيء نريده طالما أننا بأفعالنا لا نتعدى على حريات الآخرين. يبدأ نابوليتانو كتابه بشرح الأساسيات. ففي مقدمة الكتاب، يقدم المؤلف شرحا دقيقا لمفهوم الحقوق الطبيعية.
ويقول ببساطة: حقوقنا الطبيعية تحمي قدرتنا على ممارسة رغباتنا الطبيعية دون تدخل الحكومات. هذه الحقوق موجودة لأننا بشر، أو كما وصفها فريدريك باستيات في العام 1850: تقول الحقيقة إن الحياة، والحرية والملكية موجودة منذ الأزل، وهذا هو السبب الذي دفع الإنسان إلى وضع القوانين في المقام الأول. نحن كبشر، ولدنا ومعنا هذه الحقوق، والهدف من وجود الحكومات هو حماية هذه الحقوق الطبيعية التي ولدنا وهي معنا.
بالطبع فهذه الحقوق تبقى معرضة للانتقاد من قبل بعض القانونيين، والذين يعتقدون خطأ بأن جميع حقوقنا هي ممنوحة لنا من قبل الحكومات.
يحمل أولئك القانونيون ضمنيا في أذهانهم أن الحكومات بمكانها أن تمنحنا الحقوق وأن تلغيها، وهذا المعتقد بالتأكيد يعبر عن وجهات النظر التي يمتلكها كلا الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو خلاف ما جاء به الدستور.
المهم هنا، هو أن نابوليتانو كان واضحا عندما قال بأن الديمقراطية نفسها، لا ينبغي تفسيرها على أنها الحرية. يمكن للديمقراطية سواء في النظرية أو الممارسة أن تعزز من سطوة الأغلبية الطاغية، ما يقود إلى ضرورة استيعاب مفهوم الحقوق الطبيعية. وهنا يقتبس نابوليتانو من افتتاحية لجريدة الـ أنجيلوس تايمز في عام 1992، والتي تقول: تأتي الحرية من الاعتراف بحقوق معينة، والتي قد لا يمكن أن تؤخذ، ولا حتى بنسبة تصويت %99.
عند مقارنة الديمقراطيات بـ الدكتاتوريات، يقول نابوليتانو: الفرق الوحيد المقنع هو أنه في ظل الديمقراطية، يرغب جيرانكم بالحصول على ملكيتكم أكثر منه في ظل الدكتاتوريات.
هنا تكمن المعركة التي يواجهها أولئك الذين يؤثرون على الحرية، فالبعض، لكن ليس جميع المصوتين، يعتقدون بإمكانية الفوز بالحقوق الوضعية من خلال صناديق الاقتراع، وحتى الحقوق التي يكون من شأنها انتهاك الحقوق الشخصية للآخرين.
بالنسبة إلى أولئك الذين يعتقدون بأن الحقوق الطبيعية من شأنها أن تضمن النعيم الدائم، يذكرنا نابوليتانو بأنه: لا يمكن أن تكون هناك حقوق طبيعية لا تتعرض للانتقاد. للمزيد من الشرح حول هذه النقطة، إن كان الشخص الذي يجلس بجانبي في قاعة السينما يمضغ الفشار بصوت عال جدا، أو إن كان مشجع فريق كرة القدم الجالس بجانبي في الصف يهتف بصوت عال لفريق تكساس إي آن إم، فأستطيع في كل حالة من الحالتين أن أنتقل إلى مقعد آخر أو الانتقال إلى مسرح آخر أو صف آخر إن لم أكن مرتاحا لذلك الوضع.
بعد ذلك، إنه من حقي أن أندمج مع هؤلاء الذين اخترتهم. ضمنيا من حقي التمييز. أو كما يقول نابوليتانو: الحكومة موجودة لحماية هذا الحق في التمييز. قد يرد القراء الانفعاليون على ما سبق، بأن نابوليتانو والليبراليين يسعون على نطاق واسع إلى العودة إلى نظام الفصل الذي كان معمولا به في الماضي. على العكس من ذلك. فنحن من حقنا الطبيعي كبشر، أن نستخدم الأفراد الذين نريد، وأن ندعو أولئك الذين نحبهم إلى زيارتنا في أماكن سكنانا، وأن نعقد الزواج ممن نريد. فيما تم ذكره، ليس هناك ما يمكن أن يوصف بأنه تعد على حريات الآخرين، لذلك ينبغي أن نبقى وشأننا وأن نعمل ما يحلو لنا.
وللمزيد من التوضيح حول ذلك: تنطوي الحرية على الحق في اتخاذ القرارات السيئة. وتشتمل تلك القرارات السيئة على قرار صاحب العمل الأبيض استخدام موظفين بيض فقط.
والشيء نفسه، أن يستخدم صاحب العمل الأسود موظفين ملونين فقط. في كلتا الحالتين، قد يضر صاحب العمل باحتمالات الربح لشركته، لكن كونه صاحب العمل، يبقى الحق موجودا وهو حق طبيعي.
وقد يفترض القراء الانفعاليون مرة أخرى بأن هذا يمكن أن يكون استكمالا للتمييز واسع الانتشار في حال تمت حماية هذا النوع من الحريات، لكن دافع الربح يقول بأن هذا القلق مبالغ فيه. فيما يتعلق بموضوع الهجرة، يمكننا أن نأمل بأن يمتلك السياسيون الوضوح والحكمة التي يمتلكها نابوليتانو. بالنسبة لمن يكرهون الأجانب لأسباب ثقافية، فهم يخشون من تراجع الوضع الثقافي في أمريكا بسبب تدفق المهاجرين إلى البلاد بشكل كبير. لكن الكاتب يورد ما يمكن أن يخفف من ذلك القلق قائلا بأن: أمريكا لا تتميز بحدودها الجغرافية، لكن بمثاليتها. وهذا حقيقي جدا. عندما يهاجر الشخص إلى أرض الحرية، ضمنيا فسوف يعتنق وسائلنا في الحياة، وينبغي علينا الشعور بالإطراء لذلك.
وبالنسبة للحديث السخيف حول إقامة الحدود الجنوبية بهدف استبعاد غير المرغوب ومنعه من دخول البلاد، يشير نابوليتانو بأن المحاولات دون جدوى لإغلاق الحدود هي ما يزيد من حدة المشكلات المزعومة
وكما يقول: يحتمل أن لا يغادر المهاجرون في أمريكا خوفا من عدم التمكن من العودة. ويقدم معلومات إحصائية حول ذلك قائلا: قبل 30 عاما، حوالي نصف القادمين غير المسجلين غادروا خلال سنة واحدة. واليوم، واحد فقط من بين كل 14 شخصا يفعل ذلك.
بعد ذلك، يعتبر البشر رأسمال. فكلما ازداد رأس المال البشري، ازداد الاقتصاد نموا.
أما بالنسبة لقانون الحرب، بعيدا عن التوجهات المضادة للمؤسسة العسكرية، يبدو نابوليتانو متشككا بخصوص نوايا الرؤساء الذين تكررت محاولاتهم لجرنا إلى الخوض في الحروب. ويشير إلى أنه بينما يقول الدستور: يجب أن يتولى الرئيس منصب القائد العام للجيش والبحرية في الولايات المتحدة، إلا أنه لا يتضمن أي نص، يقول بأنه يمكن للرئيس أن يستغفل شعبه ويقحمه في الحرب سواء بشكل متعمد أو غير متعمد…. كان المؤسسون واضحين حول منح الكونغرس سلطة إعلان الحرب، كوسيلة لضبط نزوات الرؤساء غير المعصومين عن الوقوع في الخطأ.
لكن في وقتنا الحاضر، لم يلعب الكونغرس في كثير من الأحيان دوره الدستوري، كما يجب عندما يتعلق الأمر بالمغامرات العسكرية.
الأسوأ من ذلك، فالحرب بحد ذاتها، تمنح الحكومة الفيدرالية السلطة التي يمكن من خلالها اتخاذ إجراءات من شأنها بالضرورة انتهاك حرياتنا. مع الأخذ بعين الاعتبار الحربان العالميتان؛ الأولى والثانية، يقول نابوليتانو بأن الفيدراليين قاموا بتأميم السكك الحديدية، والهاتف، وصناعة التلغراف المحلي، والتلغراف الدولي.
وأكدوا بالتالي سيطرتهم على الأسعار، والناس، والشركات. أما بالنسبة للاقتراح السخيف بأن الحرب هي محفز اقتصادي، يقتبس نابوليتانو ما يقوله فون ميسيز والذي يشير إلى أن غنى الحرب يشبه الازدهار الذي يجلبه وقوع الزلزال أو الطاعون.
بالنسبة لفرض الضرائب، يقول نابوليتانو بأنها تخالف الحق الطبيعي للملكية. وهذا حقيقي جدا. بما أن الحكومة تمتلك القوة، ونحن نقوم بتسليم الأموال التي نكسبها للحكومة، فالكثير منا لا يفعل ذلك لأننا نريد فعل ذلك. والأسوأ من ذلك، كما يتضح من قدرة الحكومة الفيدرالية على رفع أو خفض الضرائب، يرى نابوليتانو في هذا افتراض حكومي مسبق بأن لها الحق في أن تأخذ من دخلنا قدر ما تشاء وكما يحلو لها. من الأفضل وجود ضريبة وطنية بسيطة على المبيعات والسماح للأمريكان تقدير المبلغ، بحسب استهلاكهم، الذي يرغبون في اقتطاعه من دخلهم وتقديمه للحكومة.
فيما يتعلق بالسياسات النقدية، وفي إشارة منه إلى خطة التسيير الكمي التي يسعى بن برنانكي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حاليا إلى إطلاقها، يرى نابوليتانو، بأن الانحطاط النقدي، هو انتهاك آخر لحقوقنا الطبيعية. ولحل تلك المشكلة، يسعى إلى استعادة سياسة تحديد سعر المال بالذهب. ويمكن القول بأن التضخم، والذي تقوم الحكومة من خلاله بخفض قيمة الأموال التي نكسبها، هو أقسى إجراء يمكن اتخاذه.
لا يزال هناك انقسام في استخدام الوسائل، عندما يتعلق الأمر بتأكيد المدرسة النمساوية الحديثة لنابوليتانو بأن التضخم هو نتيجة للزيادة في الموارد المالية. لكن كما يوضح فون ميسيز في كتابه نظرية المال والقروض، فإن التضخم هو زيادة في كمية الأموال التي لا تقابلها زيادة مماثلة في الحاجة إلى الأموال.
وبتوضيح أكبر، فالاقتصادات النامية في حاجة إلى أموال أكثر لتسهيل المعاملات والاستثمارات التي لا تعد ولا تحصى والآخذة في الارتفاع، خلال أوقات الازدهار.
ولنكن أكثر واقعية، ربما لا يمكننا أن نعرف ماذا ينبغي أن يكون المورد المالي، وينبغي بدلا من ذلك أن ندع سعر السوق للذهب أن يكون المؤشر إذا كان إصدار السلطات النقدية للدولار أكبر أو أقل من اللازم. بالنسبة للأعمال المصرفية، يدعو نابوليتانو إلى مواجهة العجز في الاحتياطي المصرفي، والعودة إلى النظام الاحتياطي بنسبة %100. هذا لا يبدو واقعيا. ينبغي على البنوك أن توجد من أجل الربح، وينبغي أن تكون قادرة على إقراض الأموال التي تجمعها من العملاء الأفراد الذين يرغبون بالحصول على العوائد على ودائعهم.
بدلا من مواجهة العجز في الاحتياطي المصرفي، ينبغي أن تكون البنوك حرة في الاحتفاظ بأكبر أو أقل قدر من العملة النقدية قدر الإمكان، وأن تكون الفوائد على الودائع أعلى أو أقل بحسب ما يقرر كل بنك أن يكون محافظا. بعد ذلك، ما يحتاج إلى إلغاء هو دور الاحتياطي الفيدرالي كملاذ نهائي للإقراض. في هذه الحالة، تترك البنوك كميات قليلة من العملة النقدية في الخزائن لمواجهة المخاطر. فإذا ما حصل تشغيل للودائع، فقد تتعرض للاقتراض من مصادر تمويل خاصة بأسعار فوائد عقابية والتي يمكن أن تنعكس على واقع الأسواق الحالية.
يقول نابوليتانو عن الحقوق الطبيعية التي تنضوي تحتها الحرية هي القاعدة وليست الاستثناء. في الوقت الراهن، نحن نسير في الاتجاه المعاكس. لقد حان الوقت للعودة إلى ما كان سائدا يوما، ويقدم نابوليتانو في كتابه، الغذاء الفكري الذي ينبغي أن تقوم عليه مثل هذه الحركة.








