بقلم : عماد الدين حسين – الشروق
السطور التالية ليست شخصية لكنها تكشف عن كيف صار الإهمال والاستهتار بالمواطنين علامة مميزة يصعب أن تفلت منها شركة أو مؤسسة كبيرة كانت أم صغيرة.
فى الواحدة ظهر الثلاثاء الماضى ذهبت إلى فرع رئيسى لشركة اتصالات فى شارع الحجاز بالمهندسين، طالبا منهم تغيير هاتفى المحمول من «كارت» إلى «خط».
موظف الاستقبال «المتأنق» أعطانى رقما، وبعد حوالى نصف الساعة وقفت أمام الموظف. كان مهذبا وأجاب عن كل استفساراتى، ثم أخبرنى بثقة أن الخط سيتم تشغيله قبل منتصف الليل، وعلى أقصى تقدير خلال أربعة وعشرين ساعة من موعد تقديم الطلب، انصرفت بعد أن أعطانى حقيبة ورقية برتقالية بها عقد الخط الجديد.
فى العاشرة من صباح اليوم التالى اتصلت بخدمة العملاء فى الشركة مستفسرا عن موعد التشغيل لأن اتصالى بالإنترنت صار مقطوعا تماما، ردت علىَّ موظفة بصوت رخيم وقالت العبارات المكررة وأحيانا المملة من نوعية «اسم حضرتك وكيف أساعدك، وهل هذا تليفونك أم تليفون جيرانك»، ثم قالت بثقة إن التشغيل سيتم بعد مضى 24 ساعة أى فى الواحدة ظهرا.
عاودت الاتصال فى الرابعة تقريبا، وردت علىَّ موظفة جديدة، وصدمتنى بالقول إن البيانات ناقصة، فقلت لها: «ومن المسئول عن هذا الخطأ؟». فردت: إنها الشركة.. وعندما سألتها: ولماذا لم تتصلوا بى لتخبرونى بالأمر؟
فاعتذرت قائلة إن تشغيل الخط سيتم خلال 24 ساعة تبدأ من موعد اتصالى الأخير. ثم طلبت منى رقم تليفون بديل لأن الخط قد يتم قطعه لفترة تصل إلى حوالى ثلاث ساعات.
استسلمت مجبرا. وظللت منتظرا عودة الروح إلى الآى باد والموبايل، وهما أداتان مهمتان للغاية فى عملى وليسا للترفيه.
نمت كمدا، ثم استيقظت على مفاجأة أن الخط القديم بأكمله قد انقطع وتحول الهاتف إلى قطعة خردة.
اتصلت بالشركة فرد علىَّ موظف هذه المرة، وعندما شرحت له القصة من جديد، اعتذر بالطريقة الكريهة إياها، لكنه صدمنى بشىء جديد وهى أنه عند تنفيذ هذه الخدمة فإن هناك احتمالا لانقطاع الخط تماما لفترة تمتد من ثلاث ساعات إلى ثلاث أيام. بهدوء شديد سألته ولماذا لم تخبرونى بكل هذه الفخاخ أثناء التعاقد حتى أستعين بخط تليفون بديل، رد بأن الموظفة ربما نسيت.
أرغيت وأزبدت معه، وسلمت أمرى إلى الله، وحكيت قصتى لكل من قابلته.
انقطعت صلتى عن العالم، وكانت هناك مواعيد كثيرة، لم أستطع حتى الاعتذار عنها لأننى «علقت» فى الشارع بسبب الزحام الرهيب الذى صار تقليديا.
فى التاسعة مساء عادت الحياة للتليفون عبر مكالمة من زميلة أخبرتنى أنها تحدثت مع مسئولين بالشركة وبالتالى تحرك «البهوات».
الزميلة لامتنى لأننى لم أخبرها من البداية، فقلت لها الطبيعى أن أحصل على الخدمة الكاملة كمواطن، ثم إذا «توسطت لى» فمن سيتوسط لملايين المواطنين الذين لا يملكون شخصا يتصل بالكبار؟!.
مرة أخرى أقسم بالله أن المشكلة ليست شخصية، لأنه إذا كانت هذه الشركة التى تكسب المليارات سنويا وتدعى أنها رائدة ووطنية، فماذا نتوقع من شركات غارقة فى البيروقراطية.
عندما حكيت القصة للأصدقاء فوجئت بأن كل شخص لديه «قصة شكل» مع شركته، الغالبية تشكو من سوء مستوى تأهيل وتدريب أفراد خدمة العملاء، هم يقولون كلاما معسولا طيبا ينتهى مفعوله تماما مع الخدمة السيئة وعدم الشفافية.
لم أكتب اسم الشركة حتى لا يتم اتهامى بأننى أتآمر عليها لمصلحة شركات أخرى.. لكن أتمنى أن تصل الرسالة لمن يهمه الأمر.. دربوا موظفيكم، وكونوا صرحاء مع العملاء.. عاملوهم بما يستحقونه لأنهم السبب فى ثرواتكم المتراكمة بالمليارات.








