بقلم : عماد الدين حسين – الشروق
ما هى القراءة السريعة للمشهد الراهن الذى أعقب النطق بالحكم فى قضية مذبحة ستاد بورسعيد وتداعيات الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير 2011؟!.
باختصار يمكن القول بأن الدولة قد اختفت أو قررت الاختفاء، وفى أفضل الأحوال يمكن القول بأن هذه الدولة «مغمى عليها» أو فى حالة عجز كامل، أو أن بعض أركانها الفاعلة قررت أن تتوقف عن ممارسة مهامها.
كنا نبكى شهداء الثورة القدامى ونطالب بالقصاص لهم، والآن صار لنا شهداء ثورة جدد فى السويس، وصارت لدينا قضية جديدة اسمها «مذبحة بورسعيد 2» سقط فيها حتى ظهر امس 18 قتيلا ونسأل الله ألا تتضخم قضايانا أكثر من ذلك؟.
صار لدينا شهداء جدد فى السويس وشهداء جدد فى بورسعيد وشهيد فى الإسماعيلية.
السؤال هل كان بالإمكان تفادى هذه المذابح الجديدة أم أنها كانت قدرا محتوما؟!.
لو أن إدارة الرئيس محمد مرسى قد تحلت بالحكمة السياسية منذ توليها الحكم فى أول يوليو الماضى، ما كنا قد وصلنا إلى أن يصبح يوم 25 يناير 2013 بمثل هذه القتامة والدموية، ولكنا قد احتفلنا به يوما للفرح وليس للحزن.
لو أن وزارة الداخلية غيرت عقيدتها الأمنية فعلا ولو أنها دربت ضباطها وجنودها على كيفية التعامل مع المتظاهرين كما ادعى وزيرها الجديد محمد إبراهيم ما سقط هذا العدد الكبير من الشهداء فى السويس. ولو أن لديها حدا أدنى من الكفاءة وقرأت الأحداث لنقلت المتهمين إلى أى مكان خارج بورسعيد أو عززت الحراسة بصورة ضخمة أمام السجن، لأن صدور حكم بهذا الشكل لم يكن مستبعدا.
لو أن الدولة وأجهزتها أدانت وحاربت بدء ظهور الميليشيات التى هددت حزب الوفد ومدينة الإنتاج الإعلامى قبل أسابيع، ما رأينا جماعات سرية تضع أقنعة على وجوهها وبعضها يحمل أسلحة تجوب الشوارع فى وضح النهار.
لو أن المعارضة بجميع فصائلها قد أدانت استخدام العنف فى المظاهرات بصورة قوية، لتم فضح المندسين وسط المظاهرات السلمية، ولتم ردع المنفلتين داخل هذه المسيرات.
لو أن النيابة قدمت أدلة كافية للقضاء فى كل الجرائم التى تم ارتكابها طوال العامين الماضيين، ولو أن القضاء كان سريعا ورادعا خلال هذه الفترة، ما تراكمت كل هذه القضايا، وما وصل يقين إلى كل المظلومين وأهالى الشهداء أن كل القضايا سيتم «الطرمخة» عليها.
لو أن جماعة الإخوان المسلمين ومعها بقية التيار الإسلامى قد تعاملوا باعتبارهم جماعة من المسلمين وليسوا كل المسلمين،ولو أن المعارضة تعاملت باعتبارها جزءا من المجتمع وليس كل المجتمع ما وصلنا إلى هذه المرحلة.. كل طرف لديه يقين أنه الأصل وغيره لا شىء.
لو ولو ولو.. سيطول الحديث عن الذين أوصلونا إلى هذه المرحلة.. كلنا مذنبون الدولة والحكومة والأحزاب المؤيدة والمعارضة، الإعلام والقضاء والنخبة.. الجميع تعامل بانتهازية شديدة تسببت فى وصولنا إلى هذا المنحدر.
لكن المسئولية الكبرى تتحملها رئاسة الجمهورية لأنها المسئولة عن إدارة هذا البلد، وبالتالى عليها مسئولية جمع الشمل وتقديم المبادرات وإقناع المجتمع أنها ترأس وتهتم لأمر كل مصر وليس لفصيل واحد.
لا يكفى أن تكون نوايا الرئيس والرئاسة طيبة، المهم أن تكون لديها رؤية ومشروع، ولديها حسم فى اتخاذ القرارات المهمة فى اللحظات الصحيحة، وإلا فإن البديل هو صورة مهتزة تصيبها بالعجز والشلل.
على رئاسة الجمهورية إدراك أننا نعيش لحظات حرجة حقيقية، وأن أى تهاون وعدم تقدير خطورة هذه اللحظة سيدفع الوطن بأكمله ثمنا فادحا له وليس فقط جماعة الإخوان المسلمين.








