فيما تتصاعد الأزمة التى تعانيها البلاد لتطور من أوضاع سياسية واقتصادية سيئة إلى انفلات أمنى مؤخراً، يعيش الشعب المصرى مأساة البحث عن كيفية الخروج من النفق المظلم بين التيارات الإسلامية والليبرالية، التى تتهم كل منهما الآخرى بتعطيل المسيرة والوصول إلى بر الأمان، وكانت آخر الاشتباكات بين الطرفين قانون الانتخابات البرلمانية، الذى أقره مجلس الشورى ذو الاغلبية الإسلامية، وتدرس جبهة الإنقاذ التى تضم معظم القوى والأحزاب الليبرالية مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة فى ظل قانون وصفوه بأنه يخدم ويصب فى صالح التيارات الإسلامية، خاصة فى ظل شكوك حول نزاهة الانتخابات.
وهددت جبهة الإنقاذ أمس الأول بمقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة إذا لم يستجب الرئيس مرسى لثلاثة مطالب، أولاً تشكيل حكومة إنقاذ وطني، ثانياً تشكيل لجنة قانونية محايدة لتعديل الدستور، وأخيراً اخضاع الإخوان للمحاسبة القانونية، وهو ما فاقم من الأزمة وزادها اشتعالاً.
فى حوار اجرته «البورصة» مع أحد الاقطاب البارزين فى جبهة الإنقاذ ورئيس حزب المصريين الأحرار، قال أحمد سعيد أن لجنة الانقاذ تترقب تقديم ضمانات حقيقية لاجراء انتخابات برلمانية نزيهة، خاصة أن القانون الخاص بالانتخابات الذى أصدره مجلس الشورى له شقان الأول: انه يخدم جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية والشق الثانى: هو فكرة تغيير بعض الأمور مثل النظام الانتخابى الفردى الذى يسمح بسيطرة سطوة المال.
● وماذا عن المطالب الخاصة بإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية؟
●● حينما طالبنا بتغيير الدوائر قالوا انه لا يوجد وقت لتغيير الدوائر وطريقة التسرع هى المتبعة من بعد الثورة مثلما حدث فى استفتاء مارس تليه الانتخابات البرلمانية ثم الانتخابات الرئاسية ثم كتابة الدستور ثم الاستفتاء عليه، والآن قانون الانتخابات البرلمانية وهم يفعلون كل هذا لكى يصب فى صالحهم ولا يعطوا فرصة لباقى الأحزاب لكى تستعد لخوض هذه الانتخابات، اضافة إلى ان من يشرع قانون الانتخابات الآن هو مجلس الشورى والتوازن فيه غير سليم لأن أكثرية اعضائه من الإسلاميين، وبالتالى النتيجة الحتمية لاصداره هو قانون يخدم بالمقام الأول الأحزاب السياسية الإسلامية، حيث انه لا يوجد سوى شهرين فقط للانتخابات، فكيف اذن تستطيع باقى الاحزاب الاستعداد لهذه الانتخابات خاصة انه من المفترض الا يتم الاستعداد لهذه الانتخابات الا بعد ابداء المحكمة الدستورية رؤيتها فى مدى دستورية القانون.
● وماذا عن رؤيتكم للطريقة المثلى للاشراف على الانتخابات؟
●● وضعنا بعض الشروط للمشاركة فى الانتخابات، ويأتى على رأسها الاشراف القضائى الكامل والإشراف الدولى على الانتخابات، وبالفعل جلسنا مع مفوضى الاتحاد الاوروبى وعرضنا عليه الأمر، وذكر انه من الضرورى ان يعرض الأمر عليه بطريقة رسمية من قبل
الدولة وقبل بدء الانتخابات بثلاثة أشهر.
● اذن وماذا تفعل الجبهة إزاء رفض مطالبهم؟
●● اعتقد أننا أمام أمرين الأول هو المقاطعة والثانى هو خوض الانتخابات ولكن بالشروط التى ذكرناها.
● وبرأيك هل تكون المقاطعة حلا وخاصة أن الكثير من الشعب المصرى يرى أن انتخابات البرلمان هى الفرصة الأخيرة لإعادة التوازن إلى السلطة الحاكمة الآن؟
●● فى بعض الأحيان تكون المقاطعة حلا لأنه ليس بالضرورة ان تكون المقاطعة سلبية، بل هناك مقاطعة ايجابية وذلك لأن الخوض فى انتخابات قانونها غير توافقى يتسم بالتحيز الشديد لفصيل سياسى بعينه يضفى عليها نوعا من عدم الشرعية وبعد ذلك لا تستطيع ان تقول انها انتخابات مزورة أو غير شرعية وسيحدث ما حدث تماماً فى الاستفتاء على الدستور، فجميعنا لم نوافق عليه ونرى انه باطل وغير توافقى، ولكن حينما شاركنا فى الاستفتاء اضفنا عليه شرعية معينة ونحن نعلم أن هناك تزويرا فى ارادة الناخبين، لكن بمشاركتنا لم نستطع بعدها ان نقول ان هناك انتهاكات للقانون أو تزويرا وانه دستور باطل ولكن فى حال عدم المشاركة يمكن الطعن فى شرعية هذه الانتخابات والمعارضة من خارج البرلمان، فما الفائدة من وجود معارضة قزمية داخل البرلمان لأن سير الأمور على ما هى عليه الآن سيترتب عليه فوز المعارضة بعدد قليل جداً من المقاعد، لذلك أفضل عدم المشاركة لأن القوانين برمتها غير سليمة وبها عوار.
فكيف نشارك فى انتخابات لا يوجد بها الحد الأدنى من الرقابة المحايد والخصم فيها هو الحكم خاصة ان الدكتور محمد مرسى قام بتغيير أربع وزارات هى أساس الانتخابات الداخلية والإعلام والإدارة المحلية والتموين، وحينما تكون هذه الوزارات اخوانية كيف تكون نتيجة الانتخابات المقبلة سوى لصالح الإخوان فأنا لا اضمن نزاهة الانتخابات.
● ما السلاح المنتظر ان تكون له الغلبة فى الانتخابات البرلمانية؟
●● اعتقد ان المال هو المتحكم الوحيد فى جميع الانتخابات والإخوان يفوزون بالمال ويستغلون الوضع الاقتصادى الضاغط على جميع أفراد المجتمع بمعنى انهم يطوعون سطوتهم المالية فى الانتخابات برشوة الناخبين بالزيت والسكر وذلك فى الوقت الذى تغلق فيه مصانع وهم يرشونهم بلقمة العيش فى فترة حرجة، بما يعنى أنهم يشترون ارادة الناخب بالمال وهم يفوزون كل مرة بهذه الطريقة ويستغلون حاجة المواطن لمآربهم السياسية.
● كيف تتوقع تركيبة البرلمان المقبل.. خاصة بعد تأسيس حزب الوطن السلفى وقرب تأسيس حزب حازم صلاح أبو إسماعيل؟
●● لا استطيع الاجابة الآن، وانتظر ان تتضح الرؤية أكثر حتى أكون رأيا عاما وشاملا فأنا انتمى إلى جبهة الانقاذ، والجبهة لم تبت فى أمر خوض الانتخابات بعد فإذا خاضتها فهذا يحدث فرقا كبيرا داخل البرلمان لأنه بالتأكيد ستكون هناك نواب من داخل الجبهة داخل البرلمان واذا قررت الجبهة الا تخوض سيصبح البرلمان كله من الإسلاميين وبدون معارضة، لذلك لا استطيع ان أبنى أى تصور عن البرلمان المقبل اضافة إلى اننى غير مرتاح للانتخابات البرلمانية بهذه الطريقة لأنها تكرار لنفس طريقة الاستفتاء على الدستور.
● وماذا عن تأسيس حزب «الوطن» السلفى وحزب الشيخ حازم أبوإسماعيل؟
●● بالنسبة لتأسيس العديد من أحزاب الإسلام السياسي، فهذا حق مكفول للجميع ومن حق كل إنسان ان ينشئ حزبا وان يكون له اسلوبه الخاص سواء فى طريقة الطرح أو أسلوب الدعاية الخاص ولكننى لم استطع ان اعرف حساباتهم.
● هل انتم مع تغيير الصفة الحزبية لعضو البرلمان عقب انتخابه؟
●● هذه مهزلة وتعطى الفرصة للحزب الغنى ان يستقطب أكبر عدد ممكن من الافراد من داخل البرلمان.
● ما تعليقك على وصفكم من جانب القوى الإسلامية بـ«جبهة الخراب»؟
●● أتمنى أن يرضى علينا الجميع وعن آدائنا ولكننا لسنا مثل جماعة الإخوان المسلمين نقوم على السمع والطاعة ولكن لكل منا رأى يختلف عن الآخر واتساءل عن امكانية القيام بتخريب بلد هو بالفعل «خرب» فنحن لا نريد ابدا الخراب لهذا البلد بالعكس جميعنا يريد لمصر ان تقوم وتتعافى وتنهض.
● كيف تقيم آلية «الحوار الوطنى» التى طالما دافع عنها الرئيس مرسى وحث الجميع على المشاركة فى فعالياتها؟
●● عكفت على حضور جلسات الحوار الوطنى مع الدكتور مرسى ونائبه السابق المستشار محمود مكى، وحينما عرضوا علىّ بصفتى رئيس حزب المصريين الأحرار أن يستعينوا بأشخاص من داخل الحزب لتشكيل الوزارة لم أمانع إلى ان أصدر الرئيس محمد مرسى الإعلان الدستورى الديكتاتورى الغاشم الذى صدم الجميع ولهذا السبب أنشأت جبهة الإنقاذ الوطنى، وبالتالى لا فائدة من هذا الحوار الوطنى، فكنا نذهب ونتحاور ونجلس مع الرئاسة وصدر هذا الإعلان بالتالى إذا ذهبنا مرة أخرى فالنتيجة مثل سابقتها.
● هل تعتقد أن المسار السياسى والاقتصادى للبلاد يمكن تغييره العام الجارى؟
●● أعتقد أن المسارين فى منعطف خطير جداً لأن كليهما مرتبط خاصة ان المسار الاقتصادى يتجه إلى القروض والمعونات، ولا أرى مشاريع تنموية لصالح المواطن ولا توجد أى خطة مستقبلية بغرض تحسين النمو الاقتصادى والحديث الدارج فى مصر الآن هو هل سنحصل على القرض من صندوق النقد الدولى أم لا؟!، ومن الجانب الآخر اننا سوف نسدد هذا القرض بفوائده وأنا كمصرى أتمنى أن أرى عملا على أرض الواقع فى أى مشروع كان وحتى الآن قد أغلق أكثر من 2000 مصنع، فما هى خطة الحكومة لإعادة فتحهم وأيضاً لا أرى الحافز الاقتصادى الذى تقدمه الدولة لجذب الاستثمار، كما أرى أن الرئيس مرسى وحكومته ليس لديهما رؤية ولا يعملون من أجل الدولة ولكن من أجل جماعة الإخوان المسلمين إضافة إلى وجود ندرة فى العملة الصعبة «الدولار» وهذا منحنى خطير.
● كيف ترى قانون الصكوك الذى تحاول الرئاسة والحكومة والحرية والعدالة الإسراع فى إصداره؟
●● كنت أتمنى أن من يقر مثل هذه القوانين خبراء اقتصاديون، وللأسف أصبح رجال الدين هم من يبت فى أمر الاقتصاد، وهو أمر غريب وخطير جداً، وما يحدث بداية ظهور عيوب الدستور فى المادة رقم 4 التى تنص على العودة إلى هيئة علماء الأزهر لإبداء رأيهم فى أى قانون، وبالتالى نحن أمام قضية جديدة وخطيرة وهى أن نرجع إلى الأزهر لإبداء رأى علمائه فى الاقتصاد، وأنا لا أستطيع أن أبت فى هذا الأمر إلا بعد الرجوع إلى علماء اقتصاد.
● هل يوجد مشروع اقتصادى بديل تطرحه جبهة الإنقاذ.. وخاصة ان الانتقادات كلها تذهب إلى أنكم لا تطرحون بدائل وإنما تتربصون وتنتقدون فقط؟
●● تعمل الجبهة – حالياً – على إعداد مشروع اقتصادى تنموى مع خبراء مصريين من الداخل والخارج ومن أحد المشروعات المقترحة تغيير التعريفة للسفن الحربية التى تعبر من قناة السويس وهناك العديد من المشروعات التى لم تنته من الإعداد.
● كيف ترى الخروج من الأزمة الحالية؟
●● المصالحة الحقيقية بشفافية كاملة ومصارحة وإرادة فى المصالحة، فالمصارحة تخلق المصالحة، وأن يثبت محمد مرسى انه رئيس لكل المصريين ويكون المعيار الرئيسى لديه هو الكفاءة – وعلى سبيل المثال – حينما يشكل الوزارة تشكل على أساس الحزم والكفاءة وليس على أى اعتبارات أو مآرب أخرى وخاصة فى هذه المرحلة الانتقالية الصعبة التى تمر بها البلاد، فيجب أن نستعين بالكفاءات حتى نبنى هذا الوطن، ولا ننظر النظرة الحزبية لأنه لا يوجد لدينا فى الدولة رفاهية أن نقول الحزب الحاكم هو من يشكل الوزارة وذلك لأن البلد يمر بأصعب الظروف السياسية والاقتصادية فنريد تكاتف جميع المصريين حتى نستطيع أن ننهض بالبلد.
● برأيك.. كيف يمكن تحقيق هذه المصالحة؟
●● الحقيقة، لابد من وجود حزبين متساويين فى القوة، حزب إسلامى والآخر مدنى حتى يراقب كل منهما الآخر، مثل بريطانيا على سبيل المثال فلديها حزب العمال والحزب الجمهورى وكلاهما يعمل حساب الآخر، أما إذا ظل حزب واحد فقط يسيطر على مقاليد الحكم سيسقط وستسقط معه الدولة مثلما حدث مع الحزب الوطنى، ويجب أن يفهم من يصل إلى سدة الحكم أن المعارضة لا تريد القضاء عليه، ولكن هدفها هو القضاء على الديكتاتورية، ويجب أن يفهم من يحكم أنه لا توجد دولة تقوم على فصيل واحد بل على المشاركة والمعاونة مع الجميع خاصة أننا الآن فى مصر فى مرحلة بناء وأريد أن أقول إنه حتى فى حال وصول المعارضة إلى سدة الحكم ولم تستطع أن تحتوى الإسلاميين والفصائل الأخرى ستسقط أيضاً لأن مصر تغيرت، فعهد الحاكم الواحد لا وجود له الآن، فمصر قبل 25 يناير غير مصر بعد 25 يناير، وهو ما يجب أن يعيه الجميع من الإسلاميين والمعارضة.
● الأزمة مع الإمارات والتقارب مع قطر وتعميق العلاقات مع أمريكا.. كيف تقيم أداء الدولة خارجياً؟
●● أرى أنها سياسة تدل على تخبط وارتباك فقطر الآن لها علاقات جيدة مع مصر ولا أعلم السبب، والإمارات علاقتها بمصر مرتبكة وذلك لأنهم لا يرحبون بالدولة الإخوانية وجميع دول الخليج لا يسمح بوجود أو امتداد الدول الإسلامية لديها، أما أمريكا تحترم من فى السلطة، والإخوان أثبتوا خلال العام والنصف العام أنهم أقوياء عن طريق الصناديق، بسبب فوزهم فى جميع الانتخابات، التى خاضوها خلال هذهالفترة، وبالتالى الإخوان الآن هم الأقوى بالنسبة لهم، وهم يقابلونهم ويقابلون رجال أعمال الإخوان والأمريكان يحبون من فى السلطة.
● هل يستمر دعم نجيب ساويرس للحزب رغم وجوده خارج البلاد منذ فترة؟
●● نعم دعم المهندس نجيب ساويرس لحزب المصريين الأحرار مستمر إلى الآن ولكنه ليس الممول الوحيد للحزب.
حوار ـ نيرفانا وجيه








