بقلم : عماد الدين حسين – الشروق
«غاية القمة التنموية العربية.. تحقيق الرفاهية للمواطن العربى».. هذه واحدة من لافتات كثيرة فى شوارع بالعاصمة السعودية تقود إلى قصر الملك عبدالعزيز للمؤتمرات فى الرياض.
ما بين الواقع العربى المعيش على الأرض والشعار الرومانسى المكتوب على مدخل أحد جسور العاصمة تكمن مشكلة السياسة العربية خصوصا على مستوى القمة.
المصائب العربية المتتالية عودت المرء أن يكون أكثر واقعية، ولذلك فإن مجرد استمرار مؤسسة القمة وحفاظها على آلية انعقادها حتى لو لم تكن هناك نتائج صار أمرا يعتبره البعض نقطة ضوء.
عندما تكون هناك مذابح يومية بحق الشعب السورى، وعندما تزيد حصة الفتن الطائفية فى لبنان والعراق، وعندما تصبح الكلمة الأولى فى شوارع ليبيا للميليشيات، وعندما يصبح الاستقطاب هو البطل فى مصر.. فإن المرء لا يملك إلا أن يقول «الحمد لله» لمجرد اجتماع القادة العرب تحت سقف واحد.
الواقع سيئ جدا.. نعم، لكن أن ترفع لافتة تتحدث عن «رفاهية المواطن العربى»، فهو يجعلنا نسأل: هل الذين كتبوا هذا الشعار يعرفون الواقع العربى فعلا، وكيف تكون هناك رفاهية وغالبية العرب لا يضمنون حياتهم غدا؟.
على حد علمى فإنه حتى الأوروبيين الذين قطعوا شوطا طويلا فى تشكيل مؤسسات الاتحاد الأوروبى الموحدة، لم يجرأوا على استخدام هذا المصطلح.
أحد الأشياء التى تجعل المرء يحترم تفكير هؤلاء أنهم غير حالمين مثلنا.
يكفى أنهم حققوا شيئا واحدا اسمه حرية تنقل المواطنين والمقيمين فى بلدان الاتحاد، هذا هو الشىء العملى الذى يجعل المواطنين يعرفون ويدركون أن هناك ميزة فعلية اكتسبوها حتى لو لم يكونوا يعرفون شيئا عن السياسة.
أنا واثق أنه عندما يتم افتتاح الطريق البرى بين مصر والسودان قريبا إن شاء الله، وعندما يتم إنشاء جسر بحرى يربط مصر والسعودية مثلا ،وعندما تقام مشروعات مشتركة حقيقية تساعد فى ربط البلدان العربية، فإن المواطنين سوف يعرفون على الفور أن «العمل العربى المشترك» مصطلح يمكن ترجمته على الأرض وليس سرابا.
منذ وعيت على الدنيا وأنا اقرأ توصيات القمم العربية، وهى لا تتغير لدرجة تدفع البعض إلى التهكم قائلين إنها لا تتغير بالمرة، لكن كل عشر سنوات يضاف مشروع جديد على الورق ويتم التوصية به لعشرات السنين الأخرى وهكذا!!.
عندما تبنت قمة 1996 مشروع منطقة التجارة الحرة استبشرنا خيرا وقلنا أخيرا هجرنا الكلام العقيم المكرر والمصطلحات الوردية الضخمة إلى عالم الاقتصاد الذى لا يعترف إلا بالحقائق، ثم تبين لاحقا أننا عجزنا حتى الآن عن وضعها موضع التطبيق، وفى القمة الأخيرة قال البيان الختامى فى شأن الاتحاد الجمركى: «نؤكد التزامنا على إتمام باقى متطلبات إطلاق الاتحاد الجمركى العربى وفق الإطار الزمنى الذى تم الاتفاق عليه وصولا للتطبيق الكامل عام 2015». وفى فقرة أخرى: «نؤكد على تصميمنا على استكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة الكبرى قبل نهاية هذا العام».
لا أريد أن أبدو متشائما، ولذلك أشير إلى أن هناك نقطة ضوء تمثلت فى المبادرة السعودية الداعية إلى زيادة رساميل المؤسسات المالية وشركات القطاع الخاص بنسبة لا تقل عن 50٪ بهدف تأسيس مشروعات إنتاجية عربية مشتركة. ويبقى فقط تطبيق هذه المبادرة عبر آليات محددة، حتى لا تلحق بسابقاتها من المبادرات العربية الكثيرة.
جيد أيضا أن تستقر آلية انعقاد القمم الاقتصادية كل عامين، لكن نتمنى ألا يكون كل ما فعلناه هو ترحيل التوصيات الاقتصادية التى كانت تصدر عن القمم العادية إلى بيان ختامى فى قمة اقتصادية منفصلة. نريد نتائج ملموسة على الأرض وليس مجرد توصيات.. الناس لا يأكلون توصيات وبيانات ختامية!!.








