بقلم: رولا خلف
أعلن حزب المحافظين الجدد بأمريكا، منذ عقد مضي، عن غزو العراق باعتباره شرارة التحول الديمقراطي عبر العالم العربي الاستبدادي، وكانت عبارة «منارة الديمقراطية» هي التي وصف بها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن مستقبل العراق وهو يستعد لارسال قواته.
سوف يكون من الحكمة ان تستخلص الدول، التي تأخذ علي عاتقها مهمة فرض التغيير علي أنظمة دول اخري بعد عدة سنوات، الدروس المستفادة من مأزق العراق خلال تلك العشر سنوات وتجنب ما اعتبره العديد من العراقيين انتهاكاً للحرية الديمقراطية من خلال سلسلة من الحكومات غير المسئولة.
تتمتع العراق الآن بالعديد من مظاهر الديمقراطية حيث نجد العشرات من الأحزاب السياسية وحرية وسائل الاعلام وانعقاد انتخابات دورية، كما أن الأمن قد تحسن بشكل كبير بعد سنوات من العنف المروع خلال الحرب الأهلية.
وبالنسبة للمواطن العراقي العادي فان مزايا هذه الديمقراطية مازالت بعيدة المنال، فهم يعيشون في دولة غير مستقرة يحكمها نخبة تقودها النزعة الطائفية وأحيانا نخبة سياسية فاسدة تضع مصالحها الضيقة فوق مصالح المجتمع، وفي الذكري العاشرة لتغيير النظام في العراق، يتساءل العراقيون ما اذا كانوا محكوماً عليهم بالفشل بسبب وجودهم داخل تلك الدولة الفاشلة التي لم تنجح بعد في توفير الأمن أو الخدمات الأساسية لشعبها.
صحيح أن آمالهم في مستقبل اكثر رخاءً واستقراراً سريعاً ما تبددت جراء خطة احتلال امريكية عقيمة فككت أسس الدولة دون رؤية واضحة للبدائل، ولكن القليل من العراقيين يلقون اللوم علي الامريكيين وحدهم بشأن حال العراق الان حيث يرتكز جزء كبير من إحباطهم علي الطبقة السياسية التي تحكمهم.
منذ أن غادر الامريكيون البلاد عام 2011 والعراق لديها نموذجها الخاص من الصحوة العربية، وذلك مع كون اعتصامات واحتجاجات الاقلية السنيه المحتجة ضد العنصرية والتهميش تدخل الان شهرها الثالث.
ولعل اكثر ما يصيب العديد من العراقيين بخيبة الامل هو شعورهم بظهور الاستبدادية من جديد حيث يسيطر نور المالكي، رئيس الوزراء، علي السلطات التنفيذية كما انه متهما باستخدام النظام القضائي في التخلص من أعدائه السياسيين، كما ان معارضيه في البرلمان يقتسمون معه اللوم علي حال البلاد حيث أن جهودهم عادة ما يتم توظيفها من اجل تحقيق هدف واحد الا وهو اثبات فشل المالكي.
وللأسف يحن بعض العراقيين إلي ايام صدام حسين التي يقولون عنها انها كانت علي الاقل توفر لهم الامن حتي لو انهم كانوا يعانون من شراسة قمعه لهم، إلا أن آخرين ولاسيما الاكراد والشيعه ممن تحملوا العبء الاكبر من الطغيان لا يشعرون بأي ندم حيال تغيير النظام، وبالرغم من ذلك يعانون من خيبة أمل عميقة.
بالطبع لا يوجد اي وجه للمـــقارنة بين العراق والدول العربية المجاورة التي تمر بمرحلة انتقال ديمقراطي، فالتغيير قد فُرض علي العراق، حتي لو كان هذا التغيير يروق لقطاعات واسعة من السكان، وتبعه بعد ذلك حرب اهلية، كما ان مسئولي العراق كانوا علي حق في الاشارة إلي ان اي فرصة لاعادة إعمار وبناء الدولة لن تكون قبل 2009 عندما بدأت مستويات العنف في الانخفاض.
ولكن تجربة العراق وفشلها في بناء الثقة في ديمقراطيتها يجب ان تعد بمثابة تحذير للآخرين، فالعراق تقول لنا ان الديمقراطية المستـقرة تقوم علي توافق الاقليات، كما تُظهر لنا التجربة العراقية ان الفساد يمكن ان ينمو حتي داخل بيئة ديمقراطية، وتشير ايضا إلي انه في خضم عدم الاستقرار وغياب الامن جراء الافتقار إلي الوحده الوطنية وغياب الثقة السياسية بشكل كبير، قد يجد الاستبداد طريقا للعودة مرة أخري.
إعداد: نهي مكرم
المصدر: فاينانيشيال تايمز