مرت الذكري السنوية الثانية لتدخل حلف الناتو بجانب الثوار الليبيين وضد معمر القذافي مرور الكرام علي الحكومات الاجنبية والاعلام الذين كانوا في غاية القلق حيال الأمن وحقوق الانسان للشعب الليبي عام 2011، ينبغي ألا يكون هذا أمراً مفاجئاً إذ تتفكك ليبيا اليوم كدولة ويقع الليبيون تحت رحمة الميليشيات التي تستغل هؤلاء الذين ادعت من قبل انها تحميهم.
بالنظر للأخبار عن ليبيا علي مدي الأسابيع القليلة الماضية يجعلنا علي دراية بما يحدث الآن ويستحق التكرار، لأنه لم يتم تناوله بشكل كبير من قبل الصحافة الأجنبية التي كانت تملأ الفنادق في بنغازي وطرابلس، فعلي سبيل المثال، اختفي رئيس الوزراء الليبي، علي زيدان، من العاصمة يوم 31 من الشهر الماضي ويبدو أنه تم اختطافه، قد يكون هذا ردا علي الوزراء الذين قالوا إن الميليشيات لديها حصانة، وفي اليوم ذاته اقتحمت جماعة من الميليشيات وزارة العدل مطالبة باستقالة الوزير بعد اتهامه بإدارة سجن غير قانوني.
كل المواقف تشير إلي أن الأمور في اتجاهها إلي الأسوأ وليس الأفضل، ففي الخامس من شهر مارس الماضي اجتمع البرلمان الليبي لمناقشة ما إذا كان ينبغي منع الليبيين الذين عملوا كمسئولين خلال فترة حكم القذافي التي استمرت لمدة 42 عاماً من العودة إلي العمل في الدوائر الرسمية وتم حصارهم وظلوا رهائن لمدة اثنتي عشرة ساعة.
فضلا عن ذلك فإن السلطة خارج طرابلس في يد مسلحين، ولكن هذا لا يجذب اهتمام باقي العالم الا اذا وقع خرق امني كبير، كما كان الحال في بنغازي مع اغتيال السفير الأمريكي في سبتمبر الماضي، فهذا هو الحدث الوحيد للعنف التطرفي في ليبيا الذي حصل علي تغطية واسعة من قبل وسائل الاعلام الاجنبية، ولكن وزير الخارجية الأمريكي وحراسه لم يكونوا هم الاجانب الوحيدين الذين لاقوا حتفهم في بنغازي منذ الاطاحة بالقذافي، فهناك حادثة عزت عطا الله الذي قُتل تحت التعذيب وكذلك 48 آخرين في سوق بنغازي، وذلك وفقا لتقرير إحدي جماعات حقوق الانسان المصرية.
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا مفصلا الشهر الماضي عن التطهير العرقي الذي تتعرض له تاورغاء حيث يتم تهجير 40 ألف شخص خارج بيوتهم وتعرضوا للاعتقال التعسفي والتعذيب والقتل علي يد ميليشيات مصراتة.
حقيقة أن الإطاحة بالقذافي تم تحقيقها في المقام الأول عن طريق التدخل الأجنبي الذي ترك آثارا عميقة علي الليبيين اليوم، ما يعني انه في الوقت الذي يدعي فيه المتمردون ويؤمنون بأنهم هم الذين حققوا الانتصار اثبتوا ضعفهم الشديد لعدم تمكنهم من ملء الفراغ الناتج عن سقوط النسخة القذافية من القومية العربية.
العديد من الكوارث التي شهدتها العراق بعد عام 2003 تحدث الآن في دول عربية اخري ولكن بأشكال مختلفة، حيث يجد شعوب هذه الدول كما اكتشف العراقيون من قبل ان الديمقراطية لا تساوي شيئا ما لم يكن هناك اتفاق بين القوي السياسية الرئيسية علي قواعد اللعبة التي تحدد من يتولي السلطة.
يجب ان يكون تقرير المصير الوطني هو قلب اي نظام جديد، ولكن مشكلة ثورات الربيع العربي هي أنها كانت جميعها تعتمد اعتمادا كبيرا علي الدعم الخارجي، ولكن تجربة التدخل الأجنبي اثبتت انها دائما تصب لمصلحة ذاتية، كما حدث في العراق وليبيا، والثوار في كل العصور ينظرون إلي القوي الخارجية الانتهازية لمساعدتهم، ولكن لنجاح طويل الأجل يجب أن تنتهي هذه التبعية في أقرب وقت ممكن، ويتعين عليهم بناء دولة قوية تقوم علي سيادة القانون، لأنه إذا لم يفعلوا ذلك، فإنهم سيقعون تحت حكم حكام مستبدين مرة اخري.
بقلم: باتريك كوكبيرن
المصدر:الاندبندنت البريطانية








