بقلم : ليلى حطيط ومنيرة جمجوم
تعد الإمكانات النسوية من الثروات المهمة غير المستغلة كما يجب فى الشرق الأوسط، كما فى غيره من الأنظمة الاقتصادية العالمية، فالدلائل جميعها تشير إلى أن زيادة مشاركة المرأة فى العمل تسهم إيجاباً فى نمو الاقتصاد، وبالتالى فى زيادة حجم الفوائد التى تجنيها الأسر ومع أن الحكومات تبدو راغبة وبشدة فى إدخال المرأة إلى سوق العمل بمعدلات أعلي، إلا أنها تصطدم غالباً بعوائق تحول دون تطبيق ذلك عملياً كما يعانى قادة المجتمع والشركات أيضاً من صعوبة بالغة فى تحويل طموحاتهم فى هذا الشأن إلى واقع.
إن تأثير المرأة فى النمو والازدهار، قد يتساوى فى الأهمية مع المشاركة المتزايدة للصين والهند فى الاقتصاد العالمى خلال السنوات الأخيرة ويعود السبب فى ذلك إلى عدد النساء اللواتى يستطعن الانضمام إلى القوى العاملة العالمية فى العقد المقبل بقرب من ـ مليار مرأة حسب تقديرات «بوز وشركاه» بما يوازى أعداد السكان فى الصين والهند، التى تتجاوز حاجز المليار نسمة يأتى هذا «المليار الثالث» من النساء المهمشات وظيفياً من الدول كافة، من أغناها حتى أفقرها ويشار إلى عددهن فى الشرق الأوسط وحده يبلغ 90 مليون امرأة على الأقل.
لكن ما يغيب عن ذهن الحكومات وقادة الأعمال عموماً، أن تلك الاستراتيجيات الجديدة التى تتبعها الشركات، فضلاً على التغيرات الحاصلة فى طبيعة العمل، قد باتت تستوجب استقطاب المزيد من النساء الموهوبات فى أرجاء العالم كافة لذا ينبغى على المسئولين فى حكومات المنطقة وشركاتها، أن يتدارسوا السبل الممكنة للاستفادة من هذه التوجهات الإيجابية، لتعزيز مشاركة المرأة للقوى العاملة وتقدمها المهني، لاسيما أن الجهود المبذولة حتى اللحظة لم تسفر سوى عن مكاسب هزيلة وقد شهدت نسبة مشاركة المرأة فى القوى العاملة فى الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين، زيادة طفيفة من 22% فى عام 1990 إلى 30% فى عام 2010، وفقاً لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
إن إدراك المؤسسات لمدى فاعلية التقنية الرقمية والوظائف المتعلقة بتسيير الأعمال ـ مثل: الموارد البشرية والتمويل وتقنية المعلومات ـ فى تحقيق التميز، أدلى إلى تغيير ملامح القوى العاملة وبيئة العمل فالعديد من الشركات باتت تسعى إلى تنفيذ «أجندة وظيفية جديدة» مما دفع بالوظائف المساندة كالتمويل وتقنية المعلومات والموارد البشرية والتسويق إلى احتلال مكانة مرموقة فى الشركة على سبيل المثال: أصبح قسم التمويل يعهد بالمهمات الاعتيادية الرتيبة إلى جهات خارجية، فى حين يتولى موظفوه مسئولية تقديم النصح والمشورة فيما يتعلق بالشئون الداخلية، لاسيما المقترحات الخاصة بعمليات الاستحواذ، من جهة أخري مكنت التطبيقات ووسائل الاتصال الرقمية المؤسسات من تفادى التكاليف الباهظة لامتلاك أو استئجار المبانى للموظفين والاكتفاء بوجود كادر متنقل أو «يعمل من المنزل».
وتنضوى هذه التغيرات الاستراتيجية والتقنية على 3 آثار إيجابية تجاه المرأة فى سوق العمل، أولاً: تحظى النساء بحضور قوى فى بعض الوظائف ذات الدور الاستراتيجى الأكبر كالموارد البشرية فالشركات تعتمد بصفة متزايدة على موظفات الموارد البشرية لنشر ثقافة الشركة وتطبيق أحدث الأدوات التحليلية لسد فجوة المهارات قبل ظهورها وسيعمل البروز المتنامى لهذه الوظيفة على تعزيز المساواة بين الجنسين فى بيئة العمل من خلال الدفع بالمرأة لممارسة أدوار ذات أهمية أكبر.
ثانياً: ستنعكس أهمية هذه الوظائف للشركة بصورة إيجابية على تقدم المسيرة المهنية للمديرات من النساء وبالتالى فمن المؤكد أن يكون لهذا الأمر أثر مهم على النساء العاملات فى الشرق الأوسط تحديداً إذ يفتقرن إلى الحضور الكبير بين قيادات الشركات فالمرأة فى دول مجلس التعاون الخليجى لا تمثل سوى 15% فقط، من مجموع أعضاء مجالس الإدارة فى الشركات المدرجة فى سوق الأسهم.
وقد باشرت بعض الحكومات فعلاً بتشجيع تقدم المرأة نحو احتلال مناصب قيادية من خلال طرح مبادرات تشريعية وإدارية ومثال ذلك: يوجد فى دولة الإمارات حالياً قانون يوجب تعيين المرأة فى مجالس إدارة الشركات «الاتحاد الأوروبى يبحث فى هذه الآونة إمكانية إقرار قوانين مشابهة» أما فى السعودية فإن قرار ترشيح المرأة لدخول مجلس الشورى الهيئة الاستشارية الأعلى فى المملكة ـ يعبر بوضوح عن قدرة النساء على أن يشاركن علانية فى الحوار الوطني، وأن يحصلن على دعم حكومى كامل للقيام بهذا الدور.
ثالثاً: سيتناسب التوجه الذى أتاحه التطور التقني، فيما يتعلق بالعمل أو الاتصال عن بعد مع احتياجات العديد من النسوة فى الشرق الأوسط ممن لا يستطعن السفر أو مغادرة المنزل ولا شك فى أن هذا الأمر سيلعب دوراً مهماً فى زيادة إقبال المرأة على العمل فى القطاع الخاص إذ تتواجد أفضل الفرص طويلة الأجل لإحراز التقدم ورفع مستوى الدخل.
إن بيئة العمل المتسمة بالمرونة ستحرر المرأة من القيود التى تمنعها من مزاولة الأنشطة الاقتصادية كعدم قدرتها على مغادرة المنزل مثلاً فى بعض الحالات، تعجز العديد من النساء عن العمل بسبب عدم توافر وسائل النقل الضرورية لهن لأن القوانين لا تسمح لهن بالقيادة وفى المغرب تنخرط 12% فقط من النساء المتزوجات فى القوى العاملة مقابل 79% من الرجال المتزوجين، نظراً لأن كفة العائلة هى التى ترجح عادة عند الموازنة بين العمل والعائلة.
ومن الجدير بالذكر أن تلك النسوة اللواتى يستطعن العمل، يفضلن غالباً اللجوء إلى القطاع العام من منطلق أنه يمنحهن وظائف أكثر استقراراً ففى المغرب تعمل 57% من الموظفات المتزوجات فى القطاع العام، أما فى مصر فتعمل 56% من الموظفات فى القطاع العام، مقابل 30% فقط من الرجال العاملين فى هذا القطاع وفى دولة الإمارات توظف السلطات الاتحادية 42% من مجموع النساء العاملات، وتصل النسبة إلى 35% فى كل إمارة على نحو منفصل.
