بقلم: نينا غلينسكي
إن كنت تكسب الملايين بينما تتعاظم معدلات الفقر والإضرار بالبيئة تكون حينئذ قد فشلت كإنسان.. لذا علينا ان نعيد النظر في هذه المسألة كلياً.
إن الركائز الثلاث التي تعتمد عليها المشروعات حالياً لضمان الاستدامة، هي الأرباح والأفراد والبيئة. لذا تقوم راما شققي الرئيسة التنفيذية لشركة «بركة للمشروعات ـ Baraka Ventures»، بمساعدة المؤسسات علي تحقيق التأثير الإيجابي الأكبر فيما يتعلق بهذه الركائز جميعها.
تقول راما شققي: «أمضي بيل غيتس النصف الأول من مسيرته المهنية في البناء، أما الآن فهو يقضي النصف الآخر في العطاء. لماذا لا نقوم بالأمرين معا؟ أن نبني وأن نعطي في الوقت ذاته. إن الرئيسة التنفيذية لشركة «بركة للمشاريع»، وهي إحدي المنظمات الرئيسة التي تتبني عدداً من المشروعات والمبادرات الهادفة إلي تحسين المجتمع، تسير علي خطي غايتس ـ الرئيس التنفيذي المعروف الذي سخر ثروته لإصلاح المجتمع. لكن علي العكس منه، فإن شققي لم تنتظر مجيء الثروة كي تلبي النداء، بل باشرت العمل من خلال شركة «بركة» لتمكين المشروعات الاجتماعية المحتاجة للدعم من أجل تحقيق الازدهار، وتفعيل خطاب المسئولية الاجتماعية للشركات في انحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
وبالنسبة إلي شققي، فإن النجاح لا يقاس بالأرباح فقط، مع أنه جزء حيوي من عملية الاستدامة. تقول الرئيسة التنفيذية التي ولدت في سوريا وترعرعت في السعودية: «علينا ان نبدأ فعلياً بتغيير المعايير لتلائم متطلبات عصرنا الحاضر» وتؤكد قائلة: «إن كنت تكسب الملايين بينما تتعاظم معدلات الفقر والاضرار بالبيئة، تكون حينئذ قد فشلت كإنسان، لذا علينا ان نعيد النظر في هذه المسألة كلياً».
بدأت شققي هذه العملية من إعادة النظر عام 2006، عندما تخلت عن منصبها في إدارة مراكز البيانات لدي «ايست نتس ـ East Nets»، وهي شركة خدمات مالية قوامها 200 موظف، وكانت تولد أرباحاً سنوية بمقدار 40 مليون دولار. إذ بعد ملاحظتها ضعف الدعم الذي تحصل عليه المشروعات الاجتماعية في المنطقة، شرعت سيدة الأعمال الطموحة في تأسيس «بركة» ومع أنها لم تمارس العمل الاجتماعي الا كهواية في الماضي، الا انها تجرأت علي دخول هذا المجال الجديد بعزيمة صلبة، وتقول شققي بحماس: «كان الأمر اشبه بمغامرة لي».
وقد كانت هذه المرأة الملهمة علي قدر التحدي بالفعل، بالرغم من اعتمادها علي قلب يعمل بالبطارية منذ سن الخامسة والعشرين، وتهوي شققي ركوب الدراجات الهوائية بشغف، ولديها شهادة معتمدة لتعليم الغوص ـ وهي شهادة اعتماد من الدرجة الأولي، حازت عليها من أجل مشروع تثقيف بيئي محلي شاركت فيه «بركة». وبتفاؤل كبير ينبع من شعورها بالسعادة لتمكنها من البقاء علي قيد الحياة، فضلاً عن اتقانها العديد من المهارات، تقود الرئيسة التنفيذية هذه الشركة بصبغة اجتماعية نحو تعريف جديد للنجاح.
واليوم، باتت كبري المنظمات غير الحكومية في المنطقة، تنشد نصيحة شققي بوصفها خبيرة في بناء استراتيجيات التواصل. تقول شققي: «بالرغم من أننا لم نحقق أرباحاً تصل إلي مليون دولار، الا أنني عضو مجلس إدارة في مؤسسة خيرية ساعدتها في الحصول علي منحة بمقدار 6 ملايين دولار علي مدي 3 سنوات»، مشيرة إلي ان العوامل المهمة في نجاح المشروعات لا تقتصر علي النتائج المالية، واستطاعت المنحة المذكورة آنفاً تجميع 1 مليون دولار عبر شبكة الإنترنت في عام واحد، مما يعدّ سابقة في المنطقة والفضل في ذلك يعود إلي البراعة الفائقة لفريق «بركة» في مجال التقنية الرقمية.
كما يقتضي أسلوب العمل في «بركة» التنويع بين مشروعات التقنية وتقديم النصائح للمشروعات الاجتماعية، ومناصرة القضايا الاجتماعية وتوفير الخدمات الاستشارية. وعلي الرغم من إيمانها بأن «المشروعات الاجتماعية يجب الا تكون ربحية» وبأن إعادة استثمار الأرباح جميعها أمر ضروري، تدرك شققي أيضاً حقيقة ان أي نموذج أعمال يحتاج إلي مصدر دخل ليواصل البقاء، وتقر قائلة: «كافحنا لنجد طرقا من أجل زيادة العوائد خلال السنوات الأولي». لكن «بركة» نجحت أخيراً في العثور علي طريقة للقيام بذلك، من خلال الاستفادة من خبرة شققي التقنية والجمع بين الجانبين الربحي وغير الربحي.
علي الصعيد الربحي، تأتي عوائد «بركة» من الاستثمارات في التقنية الرقمية، وتقديم الخدمات الاستشارية للمشروعات الاجتماعية. وقد حقق المجال التقني نفعا كبيرا للشركة، لكنه أدي إلي تقلص عدد الموظفين من 10 إلي 3 نتيجة نشوء شركة «زيدنا ـ Zeedaa» ـ منصة نشر المحتوي علي المواقع الاجتماعية والتي أخذت معها كفاءات مهمة من الشركة الأم ـ وهي خسارة كانت ستُضعف العديد من المؤسسات الصغيرة بالتأكيد. لكن شققي لا تشعر بالقلق، وبالرغم من أن الفريق الذي كان موجوداً موهوب جداً، إلا ان «بركة» اعتمدت دوماً علي بيئة عمل تعاونية مع المنظمات غير الحكومية ورواد الأعمال والمستشارين. تقول: «صغر الحجم شيء جيد، فهو ينُتج صيغة اقتصادية مختلفة، لكنها ناجحة بفضل انخفاض التكاليف»، مضيفة بالقول: «نستطيع الاستفادة من المصادر المتوافرة في شتي الدول، فذلك يحافظ علي قوتنا ومرونتنا».
يُهيأ إليك أن شققي تشعر بالانزعاج عند سماعها مصطلح: «المسئولية الاجتماعية للشركات»، ما يبدو في الوهلة الأولي متناقضاً مع تأييدها المسئولية الاجتماعية، لكن ليس هذا هو السبب، فهي تري ان فعل الخير واجب فطري علي الأفراد والشركات علي حد سواء، وان العديدمنها تستخدم مساعيها المتعلقة بالمسئولية الاجتماعية كنوع من استراتيجيات التسويق بدلاً من ان يكون ذلك جزءاً من نسيج الشركة. وتشير قائلة: «لا يجدر بالشركات ان تميز هذه المساعي عن غيرها بتسميتها بمصطلح معين، بل يجب ان تجعلها جزءاً لا يتجزأ من هيكلها الأساسي».








